من تحت الركام

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
من تحت الركام
التعليقات التي حملت طابع الدعابة سجلت حضوراً على ألسنة المواطنين الفلسطينيين في الوقت الذي كانت تنهمر عليهم الصواريخ والقذائف الإسرائيلية، بالتأكيد أن ذلك لم يكن من باب الفكاهة والتندر، حيث أن أشلاء الشهداء وصور الأطفال تحت الأنقاض والجثث المتفحمة للصحفيين لم تترك نافذة يمكن أن تتسلل منها ضحكة، لكن الدعابة حملت بمضامينها جوانب السخرية والاستهزاء والتهكم، وعلى الجانب الآخر فيها رفع المعنويات وتعزيز الصمود الفلسطيني، وأسهمت تقنية الاتصالات في نشر ذلك على أوسع نطاق عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وإن تمكنت تقنية الاتصالات المرئية من نقل الكثير من وقائع العدوان بالبث الحي والمباشر، والذي وصل في أحد فصوله لمحاولة "أيهود يعاري" أن يحاور مذيعي فضائية الأقصى حين كانت الأخيرة تقوم بترجمة الحوار الذي تجريه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، إلا أن صفحات التواصل الاجتماعي كانت الحاضن لتعليقات المواطنين على كل شاردة وواردة.
فأثناء القصف الإسرائيلي لأحد المواقع بأكثر من صاروخ من الطائرات الحربية، وما نجم عنها من تفجيرات اهتزت معها المباني، عقب أحد المواطنين القاطنين على مقربة من المكان المستهدف قائلاً "بيتي ذهب مشوار ورجع"، في إشارة إلى قوة التفجير وما تحدثه من ارتجاج في المباني المحيطة به، إلا أن التعبير في الوقت ذاته يحمل مضمون الثبات وعدم الخوف، وحول استهداف إسرائيلي لمزرعة دواجن عقب أحد المواطنين قائلاً "لقي ما يزيد عن ثلاثة ألاف دجاجة مصرعهم بنيران صديقة"، على اعتبار أن الدجاج من الفصيلة الإسرائيلية وليست البلدية، وطائرات الاستطلاع "الزنانة" كان لها نصيب من التعليقات الساخرة، فطائرات الاستطلاع لم تفارق سماء قطاع غزة على مدار الأيام الثمانية، والصوت الصادر عنها يثير الأعصاب، فجاء تعليق أحد المواطنين "يبدو أن صاحب الزنانة نسيها شغالة وخلد إلى النوم حد يروح يصحيه".
وفي تعقيب على قرار حكومة الاحتلال بعدوانها على غزة، كانت الدعابة الأكثر انتشاراً عبر برنامج ما يطلبه المستمعون، " جيش الاحتلال يطلب أغنية اللي شبكنا يخلصنا، فيما المقاومة الفلسطينية اطلبني على الموت بلبيك شو بدك مني بعطيك، فيما كانت رغبة المستوطنين أغنية ما في نوم بعد اليوم ما في نوم"، وحظي وزير خارجية قطر على قسط وافر من الدعابة تعقيباً على مداخلته في اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجامعة العربية أثناء العدوان، حين قال أن إسرائيل ليست ذئباً ولكن البعض منا نعاج، لكن المؤكد أن صاحب القسط الأكبر من الدعابة بلا منازع كان الناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي"، فبعد أن نفى عبر قناة الجزيرة الفضائية سقوط صواريخ المقاومة على تل الربيع، في الوقت الذي أكد فيه إعلام العدو الخبر، بات يعرف على صفحات التواصل الاجتماعي باسم "النافي باسم جيش الاحتلال"، واستحوذ على القسط الأكبر من التهكم بعد أن نشر على صفحته على الفيس بوك مدعياً أن المقاومة الفلسطينية تستخدم المساجد في إطلاق صواريخها مستعيناً بالآية القرآنية " ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها"، وعلى أثر ذلك انهالت عليه عبارات السخرية والاستهزاء من كل فج وميل، وعلق أحد المواطنين بعد أن استحضر صورته وغير من معالمه بما يتناسب مع استرشاده بالقرآن الكريم بأن طالب من وزارة الأوقاف بأن تدرجه ضمن خطباء الجمعة بعد انتهاء العدوان، ومن كثرة ما لحق به من استهزاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي كتب من يسأله" هل تتقاضى من حكومتك بدل إهانه".
مؤكد أن الدعابة التي خرجت من تحت الركام لم تكن من باب الفكاهة، فحجم المأساة كانت تدفع المرء للتمرد على بتعليقاته على الواقع، والغضب يسيطر على المجتمع الفلسطيني من جراء الصمت العربي والدولي حيال الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق أطفالنا قبل شبابنا وشيوخنا، وحالة الخوف والفزع التي انتابت أطفالنا خلال هذا العدوان الهمجي بحاجة لسنوات لمسح آثارها وانعكاساتها من ذاكرتهم، لكن الدعابة جاءت من باب السخرية التي تحمل بين حروفها الكثير من مفاهيم التهكم على عالم لم تعد تحرك مشاعره جثامين الأطفال تحت الركام، فجرائم الاحتلال تعدت ببشاعتها البعد الفلسطيني لتتفوق بصلفها وعنجهيتها على ما سبقها من جرائم بحق الإنسانية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت