تخيل معي أننا اجتحنا غزة واقتحمنا بيتا بيتا، وجمعنا حتى السكاكين من المطابخ، ماذا سيحدث؟..يستمر متحدثا: لن أضئ على مسؤوليات القوة المحتلة حسب القانون الدولي، وما ينبغي أن توفره من احتياجات أساسية، ولا يهمني من سيخلف حماس، فكلهم فلسطينيون في نظرنا، ولكن..
سيختفي المستعرضون، ولن يبقى لاصحاب "الهيات" سطوة على حياة الناس، وسيصحو الشعب الفلسطيني على حياة شبه طبيعية، البعض سيبحث عن لقمة عيشه ولن يذكر احد زعامات المرحلة، والشباب سيفكرون بمستقبلهم دون ربط مصائرهم بفصيل أو تنظيم، وسيمارس المجتمع حريته بعد أن خطفها المسلحون والملثمون، لن تبقى "الواسطة" في الكابونات والطرود الغذائية، وسيعيد "زعران" المجتمع حساباتهم على غير ما كانوا يطمحون به من أن يصيروا مرافقين لأبو فلان وسواقين لأم فلان.
ينسى المتحدث نفسه، ويقول: ولك يا نتنياهو، ألا يعجبك شعب يخمد نفسه، ويصنع خرافاته ثم يجرم من يتجرأ على قول "لا"!!، أنسيت غزة المتمردة دوما!!، ها هي بلا معارضة، مذيع يخرج عليهم من قنواتهم التلفزيونية، يقول: من يقول كذا فهو عميل وخائن، فيلتزم الجميع صمته ولا يعارض.
ثم يستعرض المتحدث بعض دراسات حول حالات مشابهة عبر التاريخ، لمجتمعات قضت على نفسها، بامتثالها لخطاب وشعار ومزاج واحد، وبعدها يكمل: ثم ماذا يمكن أن نفعل أفضل من ذلك، ها قد صنعنا تقويما جديدا لغزة، وصارت فصول السنة: فصل أزمة الكهرباء، وفصل أزمة الغاز والوقود، وآخر فصل أزمة الخبز، والرابع فصل أزمة الدواء، وعيدان: عيد فتح المعبر، وعيد الانطلاقات ورفرفة الرايات.
يتدخل أحد المجتمعين مقاطعا: يا رئيس الوزراء، لا تخفى عليك حاجتنا المؤقتة للحلف السني في المنطقة، وكنا نتوقع أن تطالب حماس بامتيازات مقابل دورها في الحلف، توقعنا أن تطلب حلا سياسيا، أو تهتم بالبنية التحتية وإعمار غزة، أو تناور لتحقيق مكتسبات استراتيجية، وسهرنا ليال طويلة كي نعد لتفويت الفرصة على الحركة، لكنها أراحتنا، فها هي تكتفي بممارسة الشعارات، ومشغولة بتوازناتها الداخلية، وتوزيع الامارات والقيادات والامتيازات..يقاطع أحد الجالسين مكهكها: الزهار ما كان قابض مشعل لما راح على غزة..ثم يعود المتحدث لطرحه: ومع كل ذلك، سنحرص على إضعاف حماس، وسنحد كثيرا من تدفق الأسلحة لغزة.
نتنياهو في الختام، يشكر المجتمعين، ويؤكد استمرار الوضع على ما هو عليه، مع وعد بتقييم الوضع من جديد بعد الانتهاء من الملف السوري، قائلا: سأبحث مع المجلس المصغر في جلسة سرية، كيف ستتعامل إسرائيل مع غزة والضفة قبل وبعد انتهاء ملفات اقليمية حاضرة، مع عدم نسيان حاجتنا للحلف السني خلال المرحلة الراهنة.
يتغامز الحاضرون، ويشاكس أحدهم: المجلس المصغر، للأشياء الكبيرة بتفاصيلها المحجوبة عنا..يغادرون.. ويفتح معبر كرم أبو سالم لتزويد مطابع غزة بورق البوسترات، والوان الطباعة الخاصة باحتفالات النصر، ثم ينادي مناد في غزة: يا أيها الذين آمنوا استجييوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم.. تدعوكم حركة حماس، للمشاركة في المسيرة الحاشدة، وموعدكم مع كلمة، فخامة..زعامة..دولة....اللي انتو عارفينه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت