في ذكرى الانطلاقة

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
في ذكرى الانطلاقة
مرت ذكرى انطلاقة الانتفاضة الأولى دون أن يحتفل بها أسوة بانطلاقة الفصائل الفلسطينية، رغم أن الانتفاضة الأولى أعادت ترتيب الكثير من الأوراق محلياً وإقليمياً ودولياً، فقبل أيام قليلة من اندلاعها خرجت الإدارة الأمريكية لتؤكد على لسان وزير خارجيتها بأن القضية الفلسطينية وضعت في ثلاجة ولم تعد ضمن أولويات عمل الإدارة الأمريكية، اعتقاداً منهم بأن الثورة الفلسطينية خفت لهيبها بعد حرب بيروت عام 1982 وخروج المقاتلين من بيروت، والوضع الإقليمي كان في حال يرثى له، فحصار العاصمة اللبنانية "بيروت" من قبل قوات الاحتلال وتدمير منازلها على رؤوس قاطنيها لم يحرك في الدول العربية شيئاً، ولم تستفز مجزرة صبرا وشاتيلا شيئاً من النخوة العربية، أما على المستوى الفلسطيني فلم يكن ما ينبئ بقدرة الفصائل الفلسطينية على مواصلة نضالها بنفس الحضور والتأثير حين كانت تتواجد على الأراضي اللبنانية على تماس مع فلسطين المحتلة.
جاءت الانتفاضة الأولى لتفاجئ الصديق قبل العدو، عبر وسائل نضالية لم يعتدها العالم من قبل، حيث العدو بترسانته العسكرية الضخمة في مواجهة أطفال وشباب ونساء مسلحين بحجارة وإرادة لا تلين، قطع رابين على نفسه أن يجتثها في غضون مائة يوم، فمرت مهلته ومعها سنوات دون أن تخبو شعلتها، بل أخذت الانتفاضة تطور من ذاتها بما أذهل العالم، وباتت أدبياتها ضمن قاموس العمل النضالي التي تسترشد بها القوى المناهضة للظلم والطغيان في العالم.
اللوحات الجميلة التي سجلتها الانتفاضة الأولى لم تقتصر على قدرة الشعب الأعزل على مواجهة إرهاب آلة الحرب الإسرائيلية، بل شملت الكثير من القيم المجتمعية التي صقلتها الفعاليات اليومية للانتفاضة، ولعل أروعها ما تمثل بحالة التكاتف والتعاضد بين فئات المجتمع المختلفة، كانت الفصائل الفلسطينية المختلفة متواجدة في ساحة العطاء والنضال، لم ينازع العلم الفلسطيني خلالها أي من الرايات الحزبية، كان الجميع يعمل لفلسطين دون أن يتقوقع في دائرة حزبية ضيقة، من الطبيعي أن تكون هنالك وجهات نظر متباينة بين الفصائل الفلسطينية، ولكن هذا التباين شكل وقوداً للانتفاضة، حيث كان الجميع يبحث عن مساحة التلاقي بينها، لا عن نقاط الاختلاف وتسجيل النقاط على بعضنا البعض.
المهم أن الانتفاضة استطاعت أن تعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة في الوقت الذي اعتقد الكثير بأنها باتت من ضمن عمل المؤسسات الإنسانية ووكالة الغوث، فرضت الانتفاضة من جديد القضية الفلسطينية على أجندة السياسة الدولية والإقليمية، وأجبرت لاحقاً حكومة الاحتلال على الذهاب إلى طاولة الحوار في مدريد مع منظمة التحرير الفلسطينية حتى وإن كان ذلك بداية من خلال الوفد الأردني.
المؤكد أن الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" لم تأخذ نصيبها من التحليل والتقييم، فقد سجلت نجاحات في الكثير من الأمور وأخفقت في جوانب أخرى، ولكنها تبقى صورة مشرقة في تاريخنا النضالي، من الضروري أن تدخل بأدبياتها في منهاجنا الدراسي حتى وإن كان ذلك عبر يوم دراسي مفتوح في ذكرى انطلاقتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت