الخيارات الفلسطينية المستقبلية

بقلم: عباس الجمعة


علينا ان نتوقف امام الخيارات المستقبلية واستثمار الانجازات التي تحققت بفعل التضحيات الجسام للشعب الفلسطيني من خلال العمل لتقارب فصائل العمل الوطني الفلسطيني حيث بدت مؤشرات المصالحة ،والوحدة الوطنية تظهر للعيان ليس كصورة بقدر ما هي وحدة حقيقية متأصلة ،ومتجذرة لدى الأنسان الفلسطيني بكل أطيافه وإنتمائه السياسي ، وأن هناك مؤشرات تؤكد عن قرب أن الفتحاوي لا يمكن له في أي وقت وزمان أن ينفي الحمساوي ، وأن الجبهاوي هو عنصر مقاوم معطاء لهذا الوطن وهذا حال الواقع والجميع مكمل للأخر في مسيرة طويلة من النضال والثورة والمقاومة التي سترجع لنا الغد الجميل، ولهذا نرى التفاؤل الإيجابي البعيد هذه المرة عن الحقد والأنقسام ،ولكن بكل الاحوال هذا يتطلب ترجمة على ألارض حتى يصبح الواقع حقيقة امام الشعب .
ويقف شعبنا أمام حدثين هامين في هذه المرحلة: الاول هو قبول فلسطين دولة بصفة مراقب في الامم المتحدة وما يترتب على ذلك من نتائج وتداعيات والثاني هو انتصار المقاومة في غزة على العدوان ورعاية مصر لاتفاق التهدئة وازدياد دورها ومكانتها ونفوذها وكذلك قدرتها على رعاية لقاءات المصالحة وممارسة ضغوط لتحقيقها، أي أن إمكانات المصالحة قد ازدادت فعلا.
امام ذلك وحتى اكون اكثر وضوحا فأن ما سمعته من مواقف وتصريحات لا يكفي أن يلتقي الرئيس محمود عباس بالاخ خالد مشعل في القاهرة، حتى يطوي صفحة الانقسام المريرة، ويدشنون صفحة جديدة من الوحدة والوئام، لأن الموضوع أكثر تعقيدا مما يظن البعض، وهو يحتاج إلى بذل المزيد من الجهود والمبادرات، ولست من أنصار اللقاء لمجرد اللقاء، خصوصاً بعد مسلسل الفشل والخيبات السابقه.
لهذا لا بد من القول أن لدى كافة الفصائل وثائق القاهرة والدوحة الموقعة مسبقا، وأن كل ما ينقصها كان الترجمة على ارض الواقع ، من اجل تعزيز الوحدة الوطنية ورسم استراتيجية وطنية، بعيدة عن المحاصصة وتوزيع المغانم، حتى لا تكون وحدة هشة، سرعان ما تتعرض للانهيار من أول هزة .
ولهذا اقول هناك ثمة مساران للمصالحة الفلسطينية، الأول إجرائي، ويتعلق بتشكيل الحكومة والانتخابات وإجراءات بناء الثقة والمصالحة المجتمعية وغير ذلك مما تضمنته اتفاقات القاهرة بشكل واضح..والمسار الثاني، سياسي، ويتعلق بالحاجة لصياغة استراتيجية عمل توافقية بين مختلف الأطراف، تستند الى وثيقة الاسرى اي" وثيقة الوفاق الوطني"، وبهذا التوافق يمكن
الشروع في تكسير حواجز الانقسام، وشق طريق التوافق على قاعدة سياسية صلبة، من خلال تشكيل حكومة الوحدة والسماح للجنة الانتخابات العمل في قطاع غزة وبذلك يطمئن الشعب الفلسطيني الذي سيحكم على سلوك تنفيذ الاتفاق في المرحلة المقبلة.
ان سحر المواقف والجمل تتطلب من اصحابها عدم استغلال العاطفة الشعبية التي نشأت على اثار الانتصارت التي تحققت ، فنحن ندرك ان زمننا اليوم ليس زمن عبد الناصر ، وسقف مطالبنا ليس سقفه ، ومع وسع العرب ان يقوموا بشيئ رمزي تجاه قضية فلسطين ومأساة شعبها الذي يتعرض لابشع هجمة عدوانية استيطانية صهيونية تستهدف الشجر والحجر والبشر .
إن ترك ملف الوحدة الوطنية والمصالحة الفلسطينية لانفراد أي نظام عربي بها، اليوم، هو أقصر طريق إلى دفن الوحدة والمصالحة، وإلى استخدام قضية فلسطين لغير مصلحة أهلها وحركتهم الوطنية وقضية تحررهم، وليس من سبيل إلى تفادي هذا المطب المحتمل، بل الواقع اليوم، يتطلب بإعادة ملف فلسطين إلى مكانه الطبيعي باعتبار ان قضية فلسطين قضية العرب الاولى، وقضية تحرر وطني لشعب فلسطين برمته، ولهذا نرى ان القرار الصادر عن الأمم المتحدة حول دولة فلسطين ضربة جديدة توجّه الى الكيان الصهيوني ومن ورائه الامبريالية الأميركية، وان هذا القرار اتى نتيجة الصمود والتضحيات ونضال الشعب الفلسطيني ومقاومته التي لا بد أن تتصاعد على قاعدة التخلي عن رهانات المفاوضات التي تهدر حقوق الشعب الفلسطيني، من اجل مواجهة السياسات الاستيطانية، القديمة والجديدة، ومحاولات تهويد القدس.
ان تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية تتطلب حوار يستند الى الثوابت الفلسطينية وحماية المشروع الوطني وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ورسم استراتيجية وطنية تستند لخيار المقاومة حتى تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، وتحقيق حق العودة لكل اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها عام 1948 وفق القرار الاممي 194 .
ولهذا نرى ان الانتفاضات الشعبية العربية التي كنا نرى فيها بريق امل ، حولت القوى المعادية ان تغير بوصلتها من خلال الثورة المضادة التي قادتها القوى السياسية الدينية، وفي مقدّمتها حركة الإخوان المسلمين، التي تسلقت الى السلطة بفعل الدعم السياسي والمالي لبعض الأنظمة وبتوجيه من الامبريالية الأميركية، هذه القوى التي لم تكتف بالتنازلات المجانية ، وبالتحديد أمام الولايات المتحدة والعدو الصهيوني، بل إنها تحاول، اليوم، العودة بتلك البلدان الى عهود ديكتاتورية بائدة رفضتها الشعوب العربية وأسقطت رموزها وأنظمتها.
ختاما : لا بد من القول على الجميع تجاوز الحسابات الفئوية الضيقة لطي ملف الانقسام وتحقيق المصالحة بكل الوسائل من أجل ترتيب البيت الفلسطيني وحتى يبقى التناقض الرئيس مع الاحتلال حتى تحقيق اماني الشعب الفلسطيني.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت