"الإساءة إلى الجامعة والتشهير بها وبمجالسها المختلفة" هي تهمة تم توجيهها إلى كاتب المقال بموجب قرار صدر عن رئيس الجامعة يقضي بإحالته إلى لجنة تحقيق ثلاثية للتحقيق معه في المخالفات المدعى بها عليه من إساءة إلى الجامعة، ومن تشهير بها وبمجالسها المختلفة.
تلقى المتهم دعوة من لجنة التحقيق للمثول أمامها، فاستجاب لها، ومثل في الموعد المحدد أمامها، على الرغم من الطلب الذي كان قد تقدم به مسبقاً لرئيس الجامعة، هادفاً إلى ردها وتنحيتها، مؤيداً طلبه بمستمسكات ضدها.
في أول لقاء له مع لجنة التحقيق، تقدم المتهم لتلك اللجنة بطلبه ردها وتنحيتها برئيسها وعضويها فرفضت اللجنة استلام الطلب، الأمر الذي دعا المتهم إلى أن يتقدم بطلب شفوي لتنحية اللجنة، مشيراً في الوقت نفسه إلى مسوغات تنحيتها.
وعلى الرغم من انعدام شرعية لجنة التحقيق وانعدام قانونيتها، إلا أن جلساتها توالت وتتابعت، فيما توالى وتتابع مثول المتهم أمامها، دون أن تجري تلك اللجنة أي تحقيق معه فيما هو منسوب إليه من مخالفات، وذلك لأنه كان – عند بداية كل جلسة تحقيق- يتقدم لرئيس الجامعة بطلب تنحية جديد للجنة، حيث كان يأتي في كل مرة بمسوغات أو معلومات أو مبرزات جديدة من شأنها التأكيد على طلب رد اللجنة، والإصرار على تنحيتها.
إن لكل امرئ أن يتخيل رئيس جامعة وهو يصر على أن تبقى لجنة تحقيق على رأس عملها، بالرغم من فقدها لشرعيتها وانعدام قانونيتها، فتواصل جلساتها مع متهم يرفضها، ويطلب ردها، ويصر على تنحيتها، فيقدم مستندات فارقة وحاسمة ضدها من شأنها أن تهزم الغاية منها، ومن شأنها أنها تُحسَب حجة ضد رئيس الجامعة الذي اختار هو رئيسها وأعضاءها فأصدر القرار بتشكيلها. وهنا، نتساءل: كيف يصر رئيس الجامعة على أن تبقى لجنة تحقيق قدم المتهم معلومات ثابته ومؤكدة أن أحد ثلاثتها منعدمة لديه الحيادية والنزاهة والشفافية؟! وكيف يصر رئيس الجامعة على أن تبقى هذه اللجنة التي أيالمتهم معلوماته بمبرزات رسمية ضد أحد ثلاثتها فنسف وجودها عن آخرها؟! كيف يصر رئيس الجامعة على أن تبقى هذه اللجنة التي أبرز المتهم مستندات تثبت التزوير على أحد ثلاثتها، لا سيما وإن إثبات التزوير صادر عن محكمة توصف في قانون المحاكم بأنها "المحكمة التي لا يرد قرارها، ولا يطعن فيه، ولا يستأنف عليه"؟! إنها محكمة العدل العليا... محكمة العدل العليا التي قالت- وليس أنا- إن فلاناً (الذي هو أحد ثلاثة في لجنة التحقيق المشار إليها) قد ارتكب أعمال التزوير، فقام بتغيير كلي لمحاضر التحقيق التي كانت مكتوبة بخط اليد وموقعاً عليها حيث قام بطباعتها وإجراء ما أراد من تغيير فيها وتوقيعات عليها؟! وفوق ذلك، كيف تصر لجنة التحقيق برئيسها وعضويها على البقاء فيها، على الرغم من المعلومات والمستندات الخطيرة التي كان المتهم عند كل جلسة وقبلها يتقدم بها ويبرزها؟!
لمَ تواصلت جلسات اللجنة نحو ست مرات، دون أن تحقق مع المتهم؟ ولمَ الإصرار على هذه اللجنة برئيسها وعضويها دون غيرهم في جامعة يوجد فيها من الأكاديميين ما يزيد عن أربعمائة؟! وهل يرى صاحب القرار أو مملي القرار عليه أو كلاهما ألا لجنة غير هذه اللجنة في مكنتها أن تنجز ما هو مطلوب منها من إدانة للمتهم؟! هل تشكل هذه اللجنة لمن أصدر- أو أملى- قرار إنشائها وصفة نموذجية لإدانة المتهم؟! هل استطاعت هذه اللجنة أن تقنع من أصدر قرار إنشائها أو أمر به وأملاه أنها الأداة الأكثر قوة والأكثر مناسبة لتحقيق الإدانة المطلوبة؟!
وبعد: فلماذا ظل رئيس الجامعة يصر على أن تبقى لجنة التحقيق برئيسها وعضويها على رأس عملها، دون استجابة أو اعتبار منه لمعلومات أو لشواهد ورقية صادرة ضد اللجنة عن جهات رسمية بعضها جامعية وأخرى قضائية؟! وهل كان إصراره هذا نتاج فعله ورأيه وفكره وقناعته، أم نتاج أمر أُسقط فوق رأسه فأُمليّ عليه، دونما سبيل لديه للتفلت منه إلا بثمن إما أنه لا يقدر على دفعه أو أن رجولته لا ترقى إليه؟!
أما آخر الكلام، فهل من إدانة من أي نوع يمكن لأي أحد أو جهة إصدارها دون تحقيق مع متهم استقرت كل القوانين على براءته حتى تثبت بالتحقيق إدانته؟! وإذا كان التحقيق لم يَجرِ في الأصل، فكيف تكون الإدانة، إذن؟! أليست هذه إدانة دون تحقيق ودون حيثيات؟! إن ثلاثين مقالاً هو ما ينبغي لي أن أمثل للتحقيق فيها لم يُجرَ معي أي تحقيق فيها أو في أي منها! إن كان ما قلته صحيحاً، فأليس هذا هو الفساد بعينه؟! بل أليس هذا هو من الفساد أفسده؟!
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت