الأسرى والدولة
اعتدنا أن يكون نمط تضامنا مع أسرانا على مدار السنوات السابقة عبر اعتصام ينظمه أهالي الأسرى أمام مقرات الصليب الأحمر بمشاركة خجولة من القوى السياسية، وتحضر قضية الأسرى في المهرجانات الخطابية والمناسبات الوطنية، وأخذ التضامن مع أسرانا البواسل بعداً جماهيرياً واسعاً خلال معركة الأمعاء الخاوية التي خاضها الأسرى مؤخراً، ومما لا شك فيه أن قضية الأسرى تحظى بأهمية بالغة لدى الشعب الفلسطيني، لأنها تتعلق بشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني ضحت بحريتها دفاعاً عن كرامة الوطن وحريته، وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من ثمانمائة ألف أسير فلسطيني عاشوا تجربة الاعتقال في السجون الإسرائيلية، ورغم أهمية هذا التضامن إلا أنه اقتصر على البعد المحلي وغاب عنه البعد الإنساني والقانوني الدولي، أسرى فلسطين في سجون الاحتلال حسب اتفاقيات جنيف هم أسرى حرب، وبالتالي عدالة قضيتهم كفلتها المواثيق الدولية.
خلال العامين الماضيين شهدت قضية الأسرى منعطفات مهمة، تمثلت في صفقة تبادل الأسرى والتي بموجبها تم تحرير أكثر من ألف أسير فلسطيني، وعلى جانب آخر كانت هنالك محاولات جادة لتدويل التضامن مع الأسرى الفلسطينيين، تمثل بداية بتنظيم المؤتمر الدولي لنصرة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال في العاصمة الجزائرية في ديسمبر 2010، والذي احتضنته جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وفي يناير 2011 جرى تنظيم مؤتمر مماثل في العاصمة المغربية برعاية منظمات حقوقية وهيئات المجتمع المدني.
لكن الأهم على هذا الصعيد المؤتمر الدولي للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين والعرب داخل السجون الإسرائيلية الذي التئم في بغداد هذا الأسبوع، لعدة اعتبارات أولها أنه يأتي بناءاً على قرار القمة العربية في بغداد في مارس الماضي، وبرعاية الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وبالتالي الجانب الرسمي العربي هو الحاضن لهذا المؤتمر، وهذا بدوره يوفر فرصة متابعة التوصيات التي يمكن أن يخرج بها المؤتمر من قبل جامعة الدول العربية، وثانياً أن المؤتمر يشهد مشاركة دولية واسعة حيث يشارك فيه وفود جاءت من أكثر من 70 دولة، والحضور الدولي بجانب الحضور العربي يضفي على المؤتمر أهمية تخدم أيضاً القضية الفلسطينية من خلال قضية الأسرى، وثالثاً أن المؤتمر يأتي بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقب، وهذا يمكننا من الانضمام إلى اللجان الحقوقية والقانونية التابعة للأمم المتحدة بما فيها اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة.
تقدم الأخ عيسى قراقع وزير شؤون الأسرى والمحررين بمقترحات لتبنيها من قبل المؤتمر ضمن جملة التوصيات التي يمكن للمؤتمر أن يخرج بها، وهي على جانب كبير من الأهمية ويمكن لها أن تسهم في خلق واقع إنساني وقانوني أفضل للأسرى الفلسطينيين والعرب، وهي بمقدار ما تخدم أسرانا البواسل من خلال تبني دولي من الناحية الإنسانية والقانونية لقضيتهم، بقدر ما تخدم القضية الفلسطينية بوجه عام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت