الكل الفلسطيني حريص على أن تبقى مصر راعياً للمصالحة الفلسطينية، ومصر أقدر من غيرها على انجازها، فهي أولاً الأقرب لفلسطين في الجغرافيا والتاريخ، وأمن مصر القومي يرتبط بشكل مباشر بالأحداث التي تشهدها فلسطين، وتاريخياً لم تحاول مصر أن تحرك القوى الفلسطينية طبقاً لرغباتها وبما يخدم مصالحها كما تحاول أن تفعل العديد من دول المنطقة، وحالة الانقسام الفلسطيني تضر كثيراً بمصالح مصر، حيث تحول الشأن الفلسطيني بما عليه من انقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة لمادة يتم تداولها كل على طريقته في الخلافات الداخلية التي تشهدها مصر، ومصر كما هو حال غالبية الشعب الفلسطيني تخشى أن يقترب قطاع غزة بتبعاته إليها، وهذا بحد ذاته يكرس الانقسام ويعفي الاحتلال من مسؤولياته، ولعل هذا يدفع مصر لبذل المزيد من الجهد لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
لكن من الواضح أن مصر مشغولة بهمها الداخلي، ومؤسسات الدولة لديها تستنفذ كل قواها في متابعة ما يدور في بيتها الداخلي، وسواء نجحت في تمرير الاستفتاء على الدستور أم تعطل ذلك، فما تشير إليه المعطيات أن المناكفات الداخلية ستتواصل، ولا يلوح في الأفق نهاية قريبة لها، ومن غير المنطق أن نطالب مصر في هذه الظروف أن تكرس اهتمامها لملف المصالحة الفلسطينية وأن تقدمه على حساب شؤونها الداخلية المضطربة، وأعتقد أن مصر عبر "ماراثون" لقاءات الحوار الداخلي الفلسطيني عملت على ترطيب الأجواء بين حركتي فتح وحماس، ويضاف إلى ذلك المناخ الايجابي على الأرض الفلسطينية، والمساحة الآخذة بالاتساع لتقبل كل منا للآخر، وبالتالي لم يعد طرفي الخلاف بحاجة لوسيط كي يجمعهما على طاولة واحدة.
من المؤكد أن الرغبة لدى الجميع في إنهاء الانقسام تعاظمت، ولكن في الوقت ذاته بات الإحباط يتسلل من جديد لدى المواطن الفلسطيني، فأثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة شعر المجتمع الفلسطيني بأنها مجرد أيام قليلة ونطوي صفحة الانقسام، إلا أن عدم اللقاء أو حتى تحديد موعد له يشكل بوابة يدخل من خلالها الشك في قدرتنا على تحقيق ذلك، وتأخير ذلك من شأنه أن يبدد أجواء التفاؤل التي خيمت على الساحة الفلسطينية، لذا بات من الضروري الإسراع في تنظيم لقاء لوفدين من حركتي فتح وحماس، حتى وإن لم يكن الوسيط المصري هو الراعي له، للاتفاق على آلية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وأعتقد أن مهمة مثل هذا اللقاء يجب أن تنصب بالمقام الأول على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وليس حكومة تكنوقراط، تكون مهمتها ما تم الاتفاق عليه سابقاً، إن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية سيضع عجلة المصالحة على مسارها الصحيح، ويؤسس لمعالجة الملفات الأخرى، فلا الحديث حول إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية أو التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية يمكن لهما أن يتقدما على تشكيل الحكومة الفلسطينية، فالخطوة الأولى والمدخل الحقيقي للمصالحة يتمثل بتشكيل الحكومة ومن ثم ننطلق لمعالجة الملفات الأخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت