الحديث عن حركة الاخوان المسلمين لا يعني بالضرورة الحديث عن الشأن السياسي في دولة بعينها، فالحركة تيار يحمل فكراً انتشر في معظم الدول الاسلامية بشكل أو بآخر، وأسست لما يعرف بالإسلام السياسي، وتركيزها على أهداف تربوية ودعوية وخيرية، يُظهر أن من استنبت هذه الجماعة لم يكن يريد الاستعجال في قطف ثمارها، لكن الظروف جعلتها أكثر حركية وحماسة لتكشف حقيقتها.
المجتمعات المتدينة لا يمكن اختراقها إلا من خلال ما تؤمن به، ولا يمكن الوصول إلى الأهداف السياسية لأي تنظيم إذا صادم رغبات المجتمع أو توجهاته الأساسية، لا بد من مجاراة معتقدات المجتمع، وبعد ذلك يمكن حرفها، وتجنيدها في المشروع السياسي الأكبر الذي يقوم على أساسات فكرية وتنظيمية بعيدة المدى، هذا ما قامت به جماعة الاخوان المسلمون منذ تأسيسها على يدي حسن البنا في 22 مارس 1928.
معارضة فكر هذه الجماعة يربطه العوام والعاطفيون بمهاجمة الدين الإسلامي، وهذا ما يروّج له قادة التنظيم، وهذا ظلم وافتراء، فالحركة لا تمثل الدين ولا يحق لها تمثيله، فهي تعمل بالسياسة لتحقيق أهداف تخصها، واتخذت الدين أداة من أدوات التنظير والتبرير لما تقوم به.
وعندما نقرأ البحوث والدراسات وكلام الشهود الذين عايشوا هذه الحركة وانتظموا في صفوفها، نكتشف أنها سعت وتسعى لتحقيق أهدافها البعيدة، ومنها قيام دولة إخوانية تعيد “الخلافة الإسلامية”، عبر مليشيات النظام الخاص، للسيطرة على العالم الإسلامي باسم الدين، حتى وإن كلفها ذلك التحالف مع الشيطان! طمعاً في السلطة، ولو رجعنا إلى تأسيس هذه الجماعة سنجد مدى تأثر مؤسسها “البنا” بالدول الناشئة آنذاك، كما تأثر أيضاً بالماسونية التي ذكر أحد الباحثين المقربين من الجماعة ارتباط حسن البنا بها، ويؤكد ذلك أيضاً الشيخ الغزالي في احدى خطبه الشهيرة.
لن أتحدث كثيراً عن حسن البنا، الذي يعتبرونه في الجماعة “ملهماً”! ولا يخطئ واقتربوا من تنزيهه وتقديسه! وهذا ليس كلامي، ويمكن الرجوع إلى حديث من انخرطوا في العمل الحركي داخل الجماعة ووصلوا إلى المناصب العليا فيها.
تقديس الرمز، نتيجة من نتائج التربية الاخوانية، التي تعتمد على التسليم الكامل، وتحريم التفكير، وتجريم الاختلاف، فالرأي رأي المرشد، والقول الحق هو قوله، وهذا يكشف مدى تلاعبهم بمشاعر صغار السن، واستغلال التدين الفطري، وتسييسه لتحقيق أهداف الجماعة، وأهم هذه الأهداف الوصول إلى “أستاذية العالم”!! هذا ما قاله ثروت الخرباوي وهو قيادي اخواني سابق.
ما أستاذية العالم؟! هنا تتبين إحدى أشكال التأثر بالماسونية بحسب السيد الخرباوي، فالأستاذية هذه رتبة ماسونية، وتحقيق الأستاذية المزعومة استدعى تأسيس التنظيم العالمي للجماعة!
بالتأكيد أنه يحق لهذا التيار ممارسة السياسة بحرية، لكن بعد أن يميط اللثام عن حقيقة فكره، وغاياته، وأن يكشف مصادر تمويله، وارتباطاته، وأن لا يزايد على أحد، وأن لا يجعل الدين محصوراً فيه، وأن لا يبتدع ويزيف ويكيف من أجل أن يحظى بالأصوات ويحشد المتدينيين الأنقياء!
حقائق مريبة كشفها الباحثون في خبايا التنظيم، وأكثر هذه الحقائق مؤصل وموثق، وأهمها اتصالاته مع القوى الغربية، وتراجعه عن مواقف أكسبته التعاطف عندما كان يناكف الشرعية ويمارس المعارضة، وهنا يتبين أننا أمام “مؤامرة” ومع كرهي الشديد لهذه الكلمة، إلا أنها الوحيدة التي تصف ما يجري اليوم، متدينون يخاطبون الجماهير بعاطفية وبآيات قرآنية وأحاديث نبوية، يتقنون ألاعيب السياسة يمارسون الديكتاتورية بحماية القوى الكبرى، ولا يختلفون عن من أصر الغرب على إزاحتهم من السلطة!
علينا الإقتراب والقراءة المتأنية البعيدة عن التشنج لما يحمله فكر الاخوان، وأن نتنبه لما يدور في الغرف المغلقة، وأن نعرف أن هؤلاء لا يشبهون المتدين النقي الذي يحتكم إلى الكتاب والسنة، بلا تسييس أو مسايسة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت