من غير المعقول ان تكون أفكارنا وآراءنا متشابه، كما ليس سهلا علينا ان نفكر بشكل مختلف، لم نتعلم شيئا عن حق الاختلاف، لم نسمع عنه من ذوينا، حتى في المدارس والجامعات لم يعلمونا أي شيئ عنه، نخاف ونرتبك قبل ان نعبر عن اراءنا بجرأة وحرية، نعبر عن قلقنا قبل ان نعبر عن ما يجول في خواطرنا.
نحتفل في ذات المكان الذي احتفل فيه منافسنا، ونتنافس على الجمهور كي يشبهنا، نقلده في الاعداد والتحضير، والخطابة والغناء والرقص والرايات، والشكل كي نكسب الجمهور، وتسويق الانتصارات والتغني بها، لا يحق له ان لا يقلدنا، وجريمة ان حدث خطأ في البرنامج ولم يكن عريف الحفل ملتح.
مطلوب من الاخر ان يكتب كما نكتب ويقرأ كما نقرأ، ونغضب منه اذا لم يقرأ الروايات والكتب التي نقرأ، وان يكون شبيها لنا في الشكل والمظهر، ان يلبس كما نلبس، ويمارس الرياضة التي نمارس، ويشجع فريق كرة القدم الذي نشجع، ويغني أغانينا، وينتمي للحزب الذي ننتمي اليه، وان لا نوجه النقد له وقيادته، وان نهتف للزعيم والقائد الكبير الذي لا يخطئ، ونقلد نبرة صوته وحركاته وخطاباته وسلوكه، ونخلد ذكراه على طريقة حزبنا.
في المدرسة أيضاً نقلد المعلم والناظر ونتماهى معهما حد التطابق، ولا يحق للتلاميذ الاختلاف معهما ومناقشتهما، فهما القدوة الحسنة والنموذج الجيد للإنسان المتعلم، وفي البيت ممنوع النقاش مع ولي الامر، ولا يحق للأخ الاصغر سناً الاختلاف مع الاكبر منه، وحق الوالد عليهما ان يكون الابناء نسخة طبق الاصل منه، يقلداه في حديثه ومشيته و تصرفاته، أي اختلاف عيب و ممنوع، وقلة ادب وخروج على التقاليد العائلية.
وممنوع على الزوجة ان تعبر عن رأيها، وتكون مختلفة مع زوجها في طريقة تفكيرها و تربية الابناء، ويجب ان تلبس وتفكر كما يريد، فهو غير متدين ويجبر زوجته ان تضع الحجاب، لان زوجة اخيه وصديقه وجاره تضع الحجاب.
ممنوع توجيه أي نقد للرئيس هو القدوة الحسنة، لا يخطئ ولا يفكر إلا بمصلحة الوطن العليا، فهو مصدر الالهام والرزق والسعادة، وتفكيره ورؤيته هي السديدة، وسياساته استثنائية، حتى في ظل انسداد الافق السياسي واستمرار الاحتلال، وارتفاع الاسعار ونسب الفقر العالية و البطالة، وعدم تكافؤ الفرص، والقمع والاعتقالات وتقييد الحريات.
حق الاختلاف هو حق لكل الناس، وضرورة احترام عقول البشر واختلافهم بإرساء مبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والمساءلة والمحاسبة والشفافية وتحقيق العدالة الاجتماعية، والعيش الكريم واحترام كرامة الناس للتأسيس لمستقبل مشرق وتحقيق غد افضل لمجتمعنا.
فليس مطلوب منا ان نشبه بعضنا البعض، فالأب والأم و الاخت والأخ الاكبر والمعلم والأمين العام للحزب أو الفصيل، والرئيس والسلطة ومؤسساتها الامنية والإعلامية التي تروج لها والنعيم التي توفرها للناس، كل هؤلاء مختلفون في التفكير والرؤية والرغبات والإرادة والقدرة، ومن ابسط حقوقهم الحق في الاختلاف، وقبول الاخر والتسامح، ومن ابجديات الديمقراطية ان نكون مختلفين.
الزمن تغير والفضاء واسع لا حدود له، وفي وطن الحرية لا يجوز لأحد ان يحدد حدوداً للاختلاف وللحرية، ولم يعد بوسع أي انسان ان ينظر من النافذة الذي ينظر منها غيره، فالنوافذ مختلفة و الأبواب مشرعة، والمواطن من حقه ان يفتحها ويعبر عن ما يدور في نفسه بحرية.
ومن حقه أن يختلف مع الحكومة وسياساتها، ويسائل المسؤولين عن عدم اتمام المصالحة ويتظاهر ضدهم، ويسائل الوزير عن أزمة الوقود والكهرباء والمياه المالحة والصرف الصحي والبطالة والفقر، وعدم احترام حقوق الانسان والديمقراطية، والانتخابات والتداول السلمي على السلطة.
وقضايا الوطن وتحقيق المصير، والسياسات العامة والموازنة وأين تصرف ومن يمولها، والإيرادات المحلية والضرائب وحجمها وثقلها على المواطن، وموازنات الامن ومصادر التمويل وشروطه، وموازنات التعليم والزراعة.
حق الاختلاف ليس خيانة، ومن يعبر عن رأيه في قضايا الوطن وهموم الناس ليس جاسوساً، وعلينا ان نعمل معاً من اجل إعادة احترامنا لقضيتنا وعدالتها، والحفاظ على حقنا بالاختلاف والتسامح وقبول الأخر، واحترام الرأي الأخر وإعادة الثقة، والاعتبار لأنفسنا ونشر ثقافة التسامح والاختلاف، وكما ان التاريخ لن يرحم يؤكد لنا ايضاً ان الحقيقة يمتلكها الناس، فالاختلاف ثقافة وحق لجميع الناس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت