حزب الكنبة
تجربتي الأولى على شبكة التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" قادتني للتعرف على صديقي أحمد، لم أتشرف بلقائه أو معرفته من قبل، دار بيننا حوار الغرباء حاول كل منا أن يعرف شيئاً عن الآخر، كلماته التي خطها كانت تحمل موروثاً ثقافياً يفرض عليك احترامه، تصفحنا سوياً مواضيع شتى، وكلما طرقت باباً وجدت عنده ما يشبع العقل، وكلماته المنتقاة بعناية فائقة تدفعك للتنقيب عن المزيد منها سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الأدب بأنماطه المختلفة، عندما سألته كيف يمضي وقته؟، على اعتبار أن جل شعبنا بات من حزب "الكنبة" سواء تعلق الأمر بجيش العاطلين عن العمل أو ممن انضموا إليهم بفعل الانقسام وتداعياته، ثقافته دفعتني للاعتقاد بأن القراءة تستهلك النصيب الأكبر من وقته، جاء جوابه مقتضباً وعلى غير ما توقعت، قال في المزرعة وصمت، تحول حوارنا يومها لتفاصيل العمل فيها، وطغى على مفرداته المفاهيم الزراعية، نوع الأشجار وطريقة الري ومن أين يحصل على المياه في ظل الأزمة المائية الخانقة التي تعاني منها المنطقة، كانت إجاباته مقتضبة، سألته يومها إن كانت المزرعة بعيدة عن بيته؟ فعلت ضحكة كبيرة على وجهه ترجمها بحرف متواصل كدت لا أصل لنهايته، لم أعرف يومها السر الذي أضحكه.
المهم حافظنا على تواصلنا بعد ذلك، تحدثنا كثيراً عن الثورات العربية وإن كان يغضب من وصف ما يجري في العالم العربي بالثورة، كان دوماً يؤكد على أن العالم العربي بحاجة لسنوات كي يعيد ترميم ما دمرته "الثورات" في البنية الثقافية والتحتية، ويسترشد في ذلك بما يحدث في سوريا وليبيا، ويوماً تلقيت دعوة من صديق على شبكة التواصل الاجتماعي يدعوني فيها لمشاركته اللعب في المزرعة، أدركت حينها سر الضحكة التي جاءت من صديقي أحمد وأنا ألاحقه بالأسئلة عن أحوال مزرعته، لم تكن مزرعته "على الحاسوب" سوى محاولة للهروب من الواقع إلى عالم الخيال، لم أحاول يوماً التعرف على قواعد عملها، ورغم أن الدعوات للمشاركة فيها تثير حفيظة مرتادي شبكة التواصل الاجتماعي ممن يجهلونها، إلا أن الدعوات التي تصلني لا تفعل الشيء ذاته كونها تعيدني إلى حكايتي مع مزرعة صديقي أحمد بما صاحبها من فكاهة.
ما أود أن أخلص إليه أننا في عالمنا العربي نجيد تهميش قدرات مواطنينا، وندفعهم للانكفاء على الذات، ولا يعنينا البتة أن يتحول المواطن لدينا لقوة استهلاكية غير منتجة، ولا تحرك فينا شيئاً نسبة العاطلين عن العمل، ولا تستوقفنا البطالة سواء ما يتعلق منها بالبطالة الحقيقية أو البطالة المقنعة التي تتضخم بها مؤسساتنا، وبالطبع لا مجال للمقارنة بين الطاقة الإنتاجية للمواطن في العالم الغربي ومثيلها لدى المواطن في عالمنا العربي.
على مدار سنوات الانقسام الفلسطيني لم يلتفت أحد للطاقة البشرية المهدورة بفعل الانقسام وتداعياته، ولم نتساءل كيف وقعنا في خطيئة إصدار التعليمات للموظفين بالاستنكاف عن عملهم؟، وفي الوقت ذاته هل المصلحة الوطنية تقتضي مواصلة منع الموظفين المستنكفين من العودة إلى عملهم؟، فيما يتعلق بالموظفين أجزم بأن المنقسمين في ساحتنا الفلسطينية تستهويهم لعبة الكراسي الموسيقية، ولا يضيرهم شيئاً أن تنضم الطاقات البشرية لحزب "الكنبة" وتفريغ طاقاتهم في مزرعة لا تسمن ولا تغني من جوع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت