لقد شكلت الاحتجاجات والمسيرات والاعتصامات المليونية الجماهيرية والشعبية في مراكز المدن في العديد من البلدان العربية حالة فريدة في التاريخ العربي المعاصر ،نجح بعضها في كنس نظم الاستبداد والتبعية والى حد ما في تغيير النظام السياسي العربي ،مما أكد دور الجماهير الشعبية من العمال والفلاحين والطلبة والمثقفين الثوريين والفقراء والمسحوقين في صناعة التاريخ ،وقدرتها على تغيير الواقع. لقد رفع المتظاهرون الشعارات الوطنية والديمقراطية والمطلبية في مقدمتها الخبز والكرامة والعدالة الاجتماعية التي تحولت لقوة مادية وسلاح لمواجهة أنظمة الاستبداد والفساد والتبعية ،لكنها حتى الآن لم تجلب الاستقرار ،فالمخاض لا زال مستمرا ،والصراعات الداخلية والانقسام يجوب كل مكونات المجتمع ،ولم تتراجع علاقات التبعية والتعاون مع عدوة الشعوب الولايات المتحدة ،ونجح الاسلام السياسي للوصول للحكم والسلطة ولو مؤقتا تحت تأثير الشعارات الدينية والشريعة مدعوما سياسيا وماديا من دول الخليج .
ان مجمل التغيرات الحاصلة في البلدان العربية قد ينعكس ايجابا على القضية الوطنية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية والأولى للشعوب العربية ،وان الحراك الشعبي والجماهيري في المنطقة العربية ،ونجاحه في تحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي الجذري الفعلي ،وحل قضايا الجماهير المسحوقة ،وضمان الاستقرار يساهم في توفير القدرة على دعم القضية الفلسطينية ،واستخدام ثقلها للضغط على المجتمع الدولي لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
لقد كان لصمود شعبنا على ارضه ،وتوحده في مواجهة العدوان والحرب على غزة ،وفعله المقاوم ،ونجاح جهود القيادة الفلسطينية الدبلوماسية في الحصول على دولة فلسطين عضو مراقب في الامم المتحدة ،كخطوة اولى على طريق دحر الاحتلال وتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال والعودة ،وبمثابة شهادة طابو تؤكد ملكية شعبنا لأرضه وبشهود 138 دولة واجبها أن تلزم دولة الاحتلال بإنهاء احتلاله للأرض الفلسطينية ،ولهذا فان متابعة المعركة السياسية تتطلب العمل الجاد على كافة الصعد والمواقع الدولية .
أولا :على المستوى الدولي :
- استكمال خطوة الاعتراف بدولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة ،والتي تتضمن اعترافا بحدود دولة فلسطين ،المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على انقاض الاحتلال وليس في ظله ،وبضرورة استكمال عضويتها العاملة في كل مؤسسات الأمم المتحدة ال 15 مؤسسة دولية ،حتى يتم ترسيخ اقدام دولة فلسطين سياسيا ،ومنها استكمال الانضمام الى معاهدة روما حتى تفتح الابواب للانضمام الى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية كأسلحة داعمة للموقف الفلسطيني .
- تعزيز العلاقات مع الدول التي صوتت لصالح القرار الأممي ،وتكثيف الجهود لإقناع الدول التي امتنعت عن التصويت ،واتخاذ خطوات من الدول التي عارضت حقنا في العضوية وفي مقدمتها اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
- التواصل مع قوى السلام والتضامن الدولي وفي مقدمتها الاحزاب اليسارية والديمقراطية والتقدمية والقوى الشعبية ،وتعميق دورها في بلدانها لفضح سياسة دولة الاحتلال ،وتشكيل رأى عام دولي مناهض للاحتلال والعنصرية والاستيطان .
- تعزيز علاقات التضامن والوحدة بين شعبنا والشعوب العربية الشقيقة ،والعمل على توسيع علاقات التعاون بين الشعب الفلسطيني وشعوب العالم الاسلامي ،وتطوير التعاون والعمل المشترك مع كل القوى الدولية المناصرة والمؤيدة لحقوق شعبنا المشروعة ولقضية السلام العادل والدائم ،ورفض الدخول في محاور ،والابتعاد عن الاشكالات الداخلية لأية دولة حفاظا على زخم دولة فلسطين والاستفادة من كل الدول الداعمة لقضيتنا.
ثانيا العلاقة مع دولة الاحتلال :
- الاعلان عن انتهاء المرحلة الانتقالية مع الطرف الاسرائيلي رسميا دون تردد ،وتحديد صياغة جديدة بين دولة فلسطين ودولة الاحتلال .
- وقف التنسيق الأمني ،وملحقاته الأمنية .
- رفض العودة الى المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي وبالرعاية الامريكية ،ومغادرة مسار المفاوضات الثنائية ،والتوجه لمفاوضات برعاية الأمم المتحدة ،مع التأكيد أن اجراءات الاحتلال كالاستيطان والجدار وتهويد القدس .. الخ غير شرعية ولا بد من وقفها وإنهائها قبل اية عملية تفاوضية بين دولة فلسطين ودولة الاحتلال .
- اعادة النظر في الاتفاقات الاقتصادية بما فيها اتفاقية باريس الاقتصادية ،واتفاقات الضرائب والجمارك والرسوم ،والاستيراد والتصدير التي تتحكم فيها دولة الاحتلال .
- متابعة فتوى محكمة لاهاي بشأن الاستيطان والجدار ،وتقرير جولد ستون وغيره من قضايا وملاحقة السياسيين والعسكريين كمجرمي حرب ضد الانسانية ،وإدانة ممارساتها وعدوانها المستمر على شعبنا بما فيها حصار غزة في المؤسسات الدولية .
ثالث:على المستوى الداخلي الفلسطيني:
- التوجه لاستكمال مؤسسات دولة فلسطين بتشكيل مجلس تأسيسي انتقالي يضم في عضويته أعضاء المجلسين التشريعي والمركزي ،وعدد من الفعاليات الوطنية ،باعتباره هيئة مؤقتة ينتهي دوره مع اجراء الانتخابات العامة ،ومهمته الاساسية متابعة المعركة السياسية والكفاحية لتعزيز دولة فلسطين ،ويقوم بسد الفراغ الناشئ عن غياب دور المجلس التشريعي الرقابي والتشريعي ،كما يتابع الحوار الوطني من أجل انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية بما لا يتعارض مع المؤسسات الشرعية الأخرى والإسراع بعقد الهيئة القيادية العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية .
- البدء بالشروع في وضع دستور دولة فلسطين من الخبراء والقضاة والقانونيين والسياسيين الفلسطينيين والعرب،وكافة مكونات المجتمع الفلسطيني .
- المباشرة بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى اعادة توحيد النظام السياسي الفلسطينيي ،وخلق مناخا جديدا بعد الانتصار السياسي والنضالي والمباشرة بتبييض السجون والإفراج عن المعتقلين السياسيين ،والتحضير للانتخابات العامة على قاعدة التمثيل النسبي الكامل ،وتقوم بمعالجة جادة لتزايد الضغوط الاقتصادية والمعيشية التي يتعرض لها شعبنا وفي المقدمة منهم الجماهير المسحوقة من العمال والمزارعين والفقراء وأصحاب الدخل المحدود ،وحل كافة الاشكاليات التي برزت بعد الانقلاب في غزة.
- البدء بالتركيز على رموز دولة فلسطين بما فيها جوازات السفر وشهادات الميلاد وطوابع البريد ،وكل ما من شانه يعزز دولة فلسطين ،واعتبار يوم 29/11 من كل عام يوما وطنيا والاحتفاء به بمجموعة من الفعاليات والنشاطات والمهرجانات في كل أرجاء دولة فلسطين وفي مواقع الشتات .
- مواصلة الجهد الدبلوماسي والسياسي من أجل الانتقال من دولة فلسطين عضو مراقب الى دولة فلسطين كاملة العضوية في الامم المتحدة .
- تعزيز الحراك الشعبي ،واستنهاض الفعل الفلسطيني وإشاعة مناخا ديمقراطيا في الحياة السياسية ،وتعزيز المشاركة الشعبية وصمود الجماهير وحماية الحقوق الاجتماعية والديمقراطية بكافة ابعادها الانسانية والشعبية.
- التأكيد على حق شعبنا في مقاومة جنود ومستوطني الاحتلال الاسرائيلي على اراضينا في دولة فلسطين بما ينسجم مع القانون الدولي ،وتوفير كل الامكانيات البشرية والمادية للمشاركة في المقاومة الشعبية ،وضرورة التزاوج ما بين السياسي والعسكري الذي يخدم هدفنا الوطني .
- توسيع حملة مقاطعة اسرائيل ورفض التطبيع معها والتعاون مع كافة القوى الدولية من أجل تحقيق هذه المقاطعة لإجبار اسرائيل على تطبيق قرارات الشرعية الدولية، بما فيها اشكال الضغط الشعبي والرسمي من أجل الافراج عن كل المعتقلين في سجون الاحتلال ،واعتبار المعتقلين اسرى حرب والتعامل معهم بهذه الصفة.
- الدفاع عن الحقوق الديمقراطية بكل تعبيراتها وعلى رأسها التعددية السياسية وفصل السلطات واستقلال القضاء والانتخابات الدورية الحرة والتداول السلمي للسلطة ،وحق التنظيم السياسي والمهني والأهلي وحق التعبير وضمان الحرية الشخصية والحماية من التعسف والاعتقال الكيفي وسن القوانين والتشريعات التي تكفل هذه الحقوق وتفضي الى قيام دولة القانون والمؤسسات ،وعلى قاعدة ضمان الحقوق الاجتماعية والديمقراطية هو ضمان الحقوق الوطنية والسياسية.
طلعت الصفدي غزة – فلسطين
الثلاثاء 18/12/2012
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت