الشعب الفلسطيني مرارة النكبة واللجوء ومخيم اليرموك الشاهد

بقلم: عباس الجمعة


منذ اغتصاب فلسطين وقيام دولة الكيان الصهيوني في عام 1948، وما ترتب على ذلك من نتائج، بعد المجازر التي ارتطبت بحق الشعب الفلسطيني الذي تم تهجيره من ارضه ودياره، بقي الشعب الفلسطيني قابضا على الجمر وصامدا واستمر في نضاله واطلاق ثورته المعاصرة في العام 1965 ، وهو ما زال حتى هذه اللحظة يواصل مسيرته النضالية برغم كل صنوف العدوان والعنصرية الصهيونية على ارض فلسطين ، بينما يواصل نضاله في اماكن اللجوء والشتات متمسكا بحق العودة الى دياره ، رعم المعاناة الحقيقية في سياسات التي تتبعها الدول العربية المضيفة مع اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على اراضيها، في اطار عدم اتاحة الفرصة لتوطينهم على اي نحو، حفاظا على حق عودتهم الى اراضيهم المحتلة، وذلك في اطار اعتبارات المراعاة والتواؤم مع مقتضيات الظروف العربية والفلسطينية، وهو ما وضع الفلسطينيين احيانا بين المطرقة والسندان.
ومنذ اندلاع الثورات العربية كان الموقف الفلسطيني واضح بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية التي يتواجد الشعب الفلسطيني على اراضيها ، وهم اليوم يدفعون ثمن اخر بعد العراق وليبيا في سوريا بسبب موقفهم الوطني الذي اتخذوه بسياسة النأي بأنفسهم عن التورط في الخلافات العربية بوجه عام، وفي تفاعلات السياسة الداخلية للدول التي يتواجدون فيها بوجه خاص، مع رفض كافة الفصائل الفلسطينية لاي تدخل خارجي في شؤون سوريا .
وفي ظل ما تشهده سوريا من تطورات واحداث تدمي قلوب الشعب الفلسطيني وكل شريف وحر في العالم، فكنا نتطلع الى ان تبقى مخيمات الشعب الفلسطيني بعيدة عن اي تورط في هذه المواجهات ، او التعرض لاية عمليات قصف، بأية وسائل، خاصة ان الشعب الفلسطيني في سوريا يحمل كل الخير والتقدير لسوريا العزيزة، دولة وشعبا لما احاطتهم به من رعاية، ويكفي ما يتعرض له الفلسطينيون في الاراضي المحتلة وفي خارجها من معاناة متعددة الوجوه والمستويات.
ان على الجميع ان يعي بان مخيم اليرموك يدفع اليوم ثمن على ما قدمه من كرم الضيافة لاخوانهم السوريين الذين اتو للحماية الى المخيم ، وان حرق وتدمير مخيم اليرموك وتهجير شعبه باعتباره موقع نشوء ونمو وتطور فصائل فلسطينية مقاوِمة كثيرة تكونت بعد أيلول الأسود 1970، ومركز ثقل مقاومة فلسطينية باسلة خاض مقاتلوها معارك ضارية مع أشقائهم في لبنان ضد الاحتلال والاجتياح الصهيوني، وهو المخيم التي يلتقي فيها فلسطينيون وسوريون على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم ويعيشون معًا في وئام تام، إخوة شركاء في كل ما يبني الحياة ويبقيها في تجدد وتألق، ويتمتعون بحقوق وواجبات متساوية مع احتفاظ الفلسطيني بالجنسية الفلسطينية حفظًا لقضية فلسطين وقضية شعبها من الإذابة، وتمسكًا بحق العودة وحق تقرير المصير واقامة دولة فلسطين بعاصمتها القدس.
الدم والدمار والخراب في المخيم الذي كان آمنا وملجأ يقصده باحثون عن الأمن من أحياء قريبة منه ومحيطة به.. لقد دخله الرعب الآن ويفرخ فيه الدم، ويسعى فيه الخراب والدمار ، وتلطخ الدماء شوارعه وبعض جدرانه، فلماذا يزج هذا المخيم الرمز في الصراع الذي ينخر جسم سوريا، وهو البيت الفلسطيني الذي شهد من المعاناة والآلام ما يكفيه منذ 1948 حتى هذا اليوم ، ليس من الحكمة في شيء، ولا من العقل والعدل ومسوِّغات المواجهات الدامية ومقوماتها تلك المستمرة بفظاعة وجنون على الساحة السورية ان تزج الفلسطينيين ومخيماتهم فيها بهذا الصراع الدامي الذي يسيل بؤسا وتعاسة وقصر نظر وقصورا شاملا بكل المقاييس، وليس من مصلحة الفلسطينيين أنفسهم أن يدخلوا حلبة الصراع ، يجب أن يبقى الفلسطيني بمنأى عن هذا الصراع .
ان ما يجري في سوريا هو خطير والرابح بالمطلق هو العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية، التي تريد تفتيت المنطقة ونهب خيراتها وثرواتها وشعوبها ، والخاسر اولا الشعب السوري الشقيق ودول المنطقة ، وإن من الحكمة والشجاعة وعظيم المسؤولية والمواقف الأخلاقية والإنسانية.. أن يبادر كل من له دور ونفوذ وكلمة وتأثير على كل طرف من الأطراف المنخرطة في معركة مخيم اليرموك القائمة ، أن يبادر بسرعة وحرص وحسن نية وشرف لوضع حد لهذه المواجهة، وأن يتم إخلاء المخيم من المظاهر المسلحة ، وإن تلك مسؤولية كل الأطراف الفلسطينية ودولة فلسطين والأطراف السورية والعربية والإسلامية والإقليمية، كما هي مسؤولية المنظمات الدولية العليا المسؤولة عن السلم والأمن العالميين وعن حقوق الإنسان.
أن الإدارة الأميركية تريد لهذه المعركة أن تجري وفق ما تشتهي، فلا يشتد كثيراً عود التنظيمات الإسلامية المتطرفة، ويحضر إلى جانبهم بعض الليبراليون، ولو بمقدار، وتريد واشنطن ألا ينهار تماماً الجيش السوري "كما حدث في العراق" هكذا من دون كلمة اعتذار أو حتى أسف، بينما الغلطة كلفت مئات آلاف الضحايا في بلاد الرافدين،وأصبح اللاجئون الفلسطينيون في العراق هدفاً دائماً لقوات الاحتلال الامريكية والميليشيات المتحالفة معها ، والعصابات الإجرامية المتعددة، ما اضطرهم للجوء إلى الحدود مع الأردن، ومن ثم تهجيرهم إلى بلدان الشتات في أميركا اللاتينية، دون أن يشعر العرب من المحيط إلى الخليج بالعار والخزي بعد أن قصروا في حق أهلهم وذويهم، رغم كل الشعارات المزيفة والمواقف الخطابية المتتالية ، ولعل واشنطن تظن العالم استوديوهات هوليوود، وهي تفشل في كل مرة، ولكنها ليست هي من يدفع ثمن الفشل، بل الشعوب والمجتمعات التي تقيم عليها تجاربها، وبإنهاك سوريا إنهاكا تاماً، قد يصعب تخيل النتائج القابلة للبناء عليه منذ الآن، ولكنها بالتأكيد ليست في مصلحة المجتمع والشعب السوريين.
ان الشعب الفلسطيني الذي تعرض لنكبات متتالية منذ هجرته فكان مخيمي النبطية وتل الزعتر عنوان التشرد والتهجير، وكأن على اللاجئ الفلسطيني أن يرتضي بمصيره المحتوم من دون أن تمتد له يد المساعدة، حتى في النطاق الانساني، واليوم ما يجري في مخيم اليرموك من جريمة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني نتيجة حرصه على سوريا وشعبها حيث يطارد الشعب الفلسطيني القتل دون اي مبرر تعيد مشاهد خروج الفلسطينيين من مخيم اليرموك إلى الأذهان نكبة العام 1948 .
دفع اللاجئون الفلسطينيون فاتورة باهظة نتيجة الصراعات العربية الداخلية، والصراعات العربية العربية على مر التاريخ، وللأسف الشديد فإن الفلسطيني يكون الحلقة الأضعف في هذه الصراعات بحكم هشاشة وضعه ومرجعياته الوطنية، وانعدام الحماية الدولية القانونية له بوصفه لاجئاً.
إن المحاولات التي تبذلها أطراف خارجية وعصابات مأجورة، تسعى لجر المخيمات الفلسطينية إلى المزيد من المواجهات المسلحة في ظل الوضع القائم في سوريا، من أجل طرد اللاجئين، المستفيد الأول منه هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لإلغاء حق العودة.
أن للشعب الفلسطيني قضيته الوطنية وصراعه الأساس وله عدو واحد هو العدو الصهيوني، فيكفي الشعب الفلسطيني ما يلقاه يوميًا على يد الاحتلال من قتل واعتقال ونهب للأرض، وهو يخوض معركته دون أن يجد دعما أو إسنادا فاعلا من أحد.
إن بوصلة الشعب الفلسطيني في الشتات هي حق العودة باتجاه ارضهم وممتلكاتهم في فلسطين، ولا طريق للفلسطينيين سوى العودة الى وطنهم التاريخي مهما تعقدت الظروف وتعاظمت التحديات.
إن وعي الشعب الفلسطيني، لما يجري في المنطقة دفعه الى اخذ قراره الحكيم بسيلسة النأي عن النفس وعدم التدخل في شؤون الدول العربية ، مع حرصه لمساعدة سوريا وشعبها الشقيق من أجل وقف نزف الدماء، وفتح الدروب أمام التغيير الحقيقي في بلد كان ومازال يدافع عن فلسطين وشعبها منذ خروج العثمانيين من بلاد العرب.
من هنا يجب على المجتمع الدولي ، وكذلك الوكالات الدولية المتخصصة كافة، تحمل مسؤولياتهم والتدخل الفوري من اجل وقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات ممنهجه تتعارض مع كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كما المطلوب من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين الانروا بالعمل الجاد من حماية اللاجئين الفلسطينين في المخيمات الفلسطينية في سوريا وضمان فتح ممرات انسانية محمية وامنة لادخال المساعدات للاجئين الفلسطينين وتوفير كل ما يلزم لهم في ظل هذة الظروف الصعبه.
ختاما : ان الشعب الفلسطيني في امس الحاجة بالفعل لا بالقول وبالمواقف الصلبة وليس بانصاف المواقف فليرتفع الصوت عاليا من اجل وقف ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في مخيم اليرموك .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت