ماذا بعد؟
من الواضح أن أيام الأسد في الحكم باتت معدودة، ولا أحد يمكن لأحد أن يتنبأ بالمشهد الأخير له ولرفاقه في النظام الحاكم، لكن الخيارات محددة أمامهم، ولا أعتقد أنه سيأتي بنموذج مغاير عما حدث في تونس أو ليبيا أو مصر، بعد استثناء النموذج اليمني على اعتبار أن الأحداث التي شهدتها سوريا تعدته بكثير، وبغض النظر عن المشهد الختامي لنظامه، يبقى السؤال الكبير ماذا بعد الأسد؟.
السؤال لا يتعلق بما ستؤول عليه الأمور داخل سوريا رغم أهميتها، بل يتعداها ليلقي بظلاله على التحالفات الإقليمية في المنطقة، من الواضح أنه يتم صياغتها بطريقة مغايرة عما كانت عليه في السابق، مما لا شك فيه أن سوريا الجريحة ستعاني طويلاً حتى يلتئم جرحها "إن قدر لها ذلك"، فالدماء التي سالت فيها ستشكل دوماً نقاط تفجير من الصعوبة بمكان احتوائها، خاصة في ظل توفر السلاح لدى الجميع، ومن المتوقع أن تأخذ الطابع الطائفي، وهذا بحد ذاته يمكن له أن يدفع البلاد في أتون اقتتال داخلي يمتد لفترات زمنية طويلة، يصبح معها الحفاظ على وحدة الدولة ضرب من ضروب المستحيل، فيما السيناريو الذي يرجوه الجميع أن تتعافى سوريا بشكل سريع وتنأى بنفسها بعيداً عن الانتقام الذي لن يخلو من النزعات الطائفية، على أي حال جراح سوريا العميقة ستدفعها للانكفاء على ذاتها، وستحتاج الكثير من الوقت كي تتعافى وتعود إلى خشبة المسرح الإقليمي كقوة فاعلة فيه من جديد.
في اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد، ستفتح صفحة جديدة في التحالفات الإقليمية، لن يكون لإيران دوراً فيها، حيث من المؤكد أن دورها في المنطقة سيتراجع بشكل كبير، بعد أن تكون قد فقدت حليفها الأساس في المنطقة، ولا يمكن لحزب الله أن يشغل المكانة التي كانت تحتلها سوريا، وحزب الله هو الآخر سيجد نفسه معزولاً جغرافياً عن عمقه الاستراتيجي "إيران"، ورغم ذلك سيعمل جاهداً على المحافظة على مكانته داخل لبنان، ولن يكون ذلك بالأمر الهين، خاصة في ظل الانطواء المتوقع للقوى السياسية اللبنانية المؤيدة لنظام الأسد في المرحلة القادمة، وبالتالي الخارطة السياسية اللبنانية سيشملها الكثير من التعديل، وهذا بدوره يمكن له أن يزيد من حدة التوتر الداخلية، وفي حال تجاهل البعض للمتغيرات وانعكاساتها على الأرض فهذا كفيل بفتح بوابة الصراع الداخلي التي لن تتوقف عند المناكفات السياسية كما هو عليه الحال الآن.
مع بداية الأحداث في سوريا أخذ تيار دول الممانعة بالتراجع الملحوظ، وسيغيب عن المشهد بشكل كلي مع نهاية نظام الأسد، ولا يعني ذلك انتصار حلف دول الاعتدال العربي وتفرده بالمنطقة، بل أن المنطقة مرشحة لتحالفات مغايرة عما كانت عليه في الحقبة السابقة، تحالفات بدأت تتشكل مع التغير الكبير في الخارطة السياسية لدول الربيع العربي، تلعب حركة الإخوان المسلمين نقطة الارتكاز لأحد قطبيها، المتغير في المنطقة لا يتوقف عند حدود شكل ومضمون التحالفات الإقليمية، بل يطال أيضاً تبديل المقاعد في العلاقة مع الإدارة الأمريكية.
في السابق شنت حركة الإخوان المسلمين هجوماً متواصلاً على الأنظمة الحاكمة بدعوى انصياعها للإدارة الأمريكية، وحملت آنذاك التيارات الليبرالية الحاكمة مسؤولية العجز الذي تعيشه الأمة العربية من جراء قبولها بدور الخادم لأمريكا في المنطقة، واليوم انقلبت الآية فما صدر عن قيادات في حركة الإخوان المسلمين عن العلاقة الإستراتيجية مع الإدارة الأمريكية دفع التيارات الليبرالية لقذف حركة الإخوان المسلمين بنفس السهام التي قذفتها بها في السابق.
من الواضح أن خارطة التحالفات في المنطقة العربية يتم صياغتها من جديد بطريقة مغايرة بالمطلق عما كانت عليه في السابق، فأصدقاء الأمس لم يعودوا أصدقاء، وأعداء الأمس لم يعودوا أعداء اليوم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت