هذا هو الإسلام ... الاستيطان في القدس مذبحة حضارية يستهدف تصفية القضية الفلسطينية

بقلم: تيسير التميمي


القدس ؛ مدينة المقدسات ، وأرض النبوات ، مسرى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ومُصَلَّاهُ إماماً بأنبياء الله ورسله ، فيها أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، قرر ربنا جل وعلا إسلاميته ومباركته وما حوله من فوق سبع سماوات بقرآن خالد تتلوه الأمة بأجيالها المتعاقبة .

القدس ؛ العاصمة الأبدية لدولتنا الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة سياسياً ووطنياً ودينياً وروحياً ، هذه المدينة التي لا شبر فيها إلا مشت عليه خطى نبي ورسول أو صحابي أو عالم أو مجاهد وفاتح , لذا كانت على مر العصور مطمعاً للغزاة والمحتلين الغاصبين على مر العصور ، وقد اندحروا جميعاً واندثروا وتطهرت القدس من رجسهم .

لكن الاحتلال الإسرائيلي عام 67 كان أبشع احتلال تتعرض له هذه المدينة الخالدة ، فهو احتلال استئصالي استيطاني إحلالي ، فقد مارس كافة إجراءات التطهير العرقي فيها ليجبر أهلها على الخروج منها قسراً فمنعهم البناء وسحب هوياتهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم وضيق عليهم في العمل والتنقل والإقامة ، وهدم حارة المغاربة لتوسيع ساحة البراق وسيطر عليها ليتعبد اليهود المتطرفون فيها واستولى على مفتاح باب المغاربة منذ احتلال عام 67 ، ليستخدم هذا الباب لاقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل الجنود والجماعات اليهودية المتطرفة ، وأحاط المدينة بجدار الفصل العنصري ليعزلها عن محيطها الفلسطيني على حساب مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية ، وصادر أراضيها وأقام البؤر الاستيطانية عليها لإسكان غلاة المستوطنين فيها وفي بيوت أهلها التي استولى عليها بعد طردهم منها
وواصل هذا الاحتلال الغاشم عمليات الاستيطان في القدس وفي كافة الأراضي الفلسطينية على مدى خمسة وأربعين عاماً ، إلا أنه بدأ يسارع في عمليات البناء الاستيطاني هذا الشهر لهدفين اثنين :
أما الهدف الأول فهو تنافس الساسة الإسرائيليين ورؤساء الأحزاب الإسرائيلية الكبرى على أصوات الناخبين في الانتخابات القادمة والتي ستجري في شهر كانون الثاني من العام القادم ، باسترضاء اليمين المتطرف ورشوته بإقامة المزيد من الوحدات الاستيطانية ، فهم يريدون كسب الأصوات على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه ، وكثيراً ما حاولوا كسب الأصوات على حساب دماء الفلسطينيين في عدوانهم على غزة وغيرها من المدن الفلسطينية المحتلة .

وأما الهدف الثاني فهو معاقبة الفلسطينيين جماعياً بسبب حصول فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في هيئة الأمم المتحدة ، وهذه ليست المرة الأولى التي تعاقب الفلسطينيين على مثل هذا الإنجاز ، فقد سبق لسلطات الاحتلال الإسرائيلي أن فعلت ذلك العام الماضي رداً على قبول فلسطين عضواً كامل العضوية في منظمة اليونيسكو ، ، فبتاريخ 1/11/2011 أصدرت أمراً بتسريع بناء (2000) ألفي وحدة سكنية استيطانية في القدس المحتلة ، وفي غوش عتسيون وفي معاليه أدوميم .

وتحقيقاً للهدفين المذكورين وغيرهما من الأهداف الاحتلالية تسارعت موجة بناء الوحدات الاستيطانية مؤخراً :
1- فبتاريخ 6/12/2012 صادق مجلس التخطيط والبناء في الإدارة المدنية الإسرائيلية رسمياً على مشروع لبناء (3400) ثلاثة آلاف وأربعمائة وحدة سكنية جديدة في المنطقة المعروفة باسم E1 والتي تقع بين مدينة القدس ومستوطنة معاليه إيدوميم ، وحول هذا الشأن أعلنت إسرائيل أنها لن تتراجع عن سياسة الاستيطان ولن تعدل عن هذا القرار .

2- وبتاريخ 17/12/2012 صادقت وزارة الداخلية الإسرائيلية على خطة لبناء (1500) ألف وخمسمائة وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة رمات شلومو شمال مدينة القدس المحتلة .

3- وقبل يومين فقط تم الكشف عن مشاريع بناء استيطانية ضخمة في الأحياء الاستيطانية في مدينة القدس المحتلة ستتم الموافقة عليها قريباً جداً ، وستتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها ، ويبلغ مجموع الوحدات الاستيطانية فيها (٦٠٠٠) ستة آلاف وحدة استيطانية ، منها على سبيل المثال :
- بناء (549) خمسمائة وتسع وأربعين وحدة سكنية استيطانية و (813) ثمانمائة وثلاث عشرة وحدة سكنية استيطانية في حي جيفعات .
- بناء (2610) ألفين وستمائة وعشرة وحدات سكنية استيطانية ضمن مشروع استيطاني آخر في جيفعات هامتوس
- بناء (1100) ألف ومائة وحدة سكنية استيطانية في حي جيلو الاستيطاني جنوب مدينة القدس المحتلة .
- بناء نحو (1000) ألف غرفة فندقية في جفعات هامتوس .
وقد شهد هذا العام قرارات احتلالية كثيرة تتعلق بالاستيطان في القدس المحتلة والضفة الغربية :
* ففي شهر أيار شرعنت إسرائيل ثلاث بؤر استيطانية عشوائية في الضفة الغربية أقيمت في التسعينيات بناء على قرارات حكومات سابقة هي بروخين وعدد سكانها (350 نسمة) وسنسانا وريحالي عدد سكان كل منهما (240 نسمة) .
* وفي الشهر ذاته تمت مناقشة قانون شرعنة الاستيطان في الكنيست والذي يهدف إلى تحويل المستوطنات المقامة على أرض فلسطينية خاصة إلى مستوطنات قانونية .
* وبتاريخ 20-5-2012 - قررت الحكومة الإسرائيلية تنفيذ سلسلة من البرامج لتعزيز الاستيطان في القدس المحتلة فخصصت 350 مليون شيقل لتطوير مواقع عامة وسياحية ، وقررت تحويل تلة الذخيرة إلى موقع تراثي وطني .
* وبتاريخ 17-7-2012 باشرت الحكومة الإسرائيلية بالتخطيط لشرعنة البؤر الاستيطانية وتحويلها إلى مستوطنات قانونية ، وتم إعداد الخرائط اللازمة لذلك بهدف خلق واقع جديد يعيق الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة .
وأول بؤرة استيطانية سيتم شرعنتها هي جبعات سلعيت في غور الأردن ، وهي جزء من 24 بؤرة استيطانية تم بناؤها بعد عام 2001 والتزم رئيس الحكومة آنذاك ارئيل شارون أمام الإدارة الأميركية بإخلائها لكنه لم ينفذ تعهده ، وهذا ديدن اليهود على مر التاريخ ، نقض العهود حتى لو كانت مع الله سبحانه وتعالى ومع رسله وأنبيائه .
* وبتاريخ 13-9-2012 طلبت الحكومة الإسرائيلية من المحكمة العليا السماح لها بالبناء في 40 مستوطنة أقيمت على أرض خاصة في الضفة الغربية كان جيش الاحتلال قد استولى عليها بأوامر عسكرية وأقام عليها المستوطنات .
* وبتاريخ 18-10-2012 منحت حكومة الاحتلال الإسرائيلي موافقتها النهائية على خطة لبناء 800 وحدة سكنية استيطانية غرب مستوطنة جيلو في القدس المحتلة ، وسيتم نشر عطاءات بنائها خلال بضعة أشهر .

إن هذه الحملة الاستيطانية التي ذكرت هي مثال لما تقوم به إسرائيل لتهويد المدينة المقدسة وتنفيذ مخططاتتها لتحويلها إلى مدينة يهودية على حساب مكانتها الدينية والحضارية وأنها عاصمة الشعب الفلسطيني الأبدية ، ومهوى أفئدة مليار ونصف من المسلمين وأكثر من ملياري مسيحي في العالم . فالهدف الإسرائيلي من هذا الاستيطان في المدينة المقدسة وطمس معالمها العربية والإسلامية وإحداث التغيير الديموغرافي فيها لصالح اليهود ولتصفية القضية الفلسطينية ، فالقدس هي مركز الصراع الحضاري والسياسي بين المشروع الصهيوني والأمة بكاملها .

فالمطلوب لمواجهة هذا السرطان الاستيطاني والمذبحة الحضارية التي تتعرض لها مدينة القدس المحتلة التوقيع فوراً على اتفاقية روما ورفع دعوى أمام محكمة الجنايات الدولية على ساسة الاحتلال الاسرائيلي لارتكابهم أبشع جرائم العصر المذبحة الحضارية هذه ضد الإنسانية والتطهير العرقي ضد اهلها . وعلى المسلمين والمسيحين في العالم القيام بواجبهم في التصدي لهذه الجريمة غير المسبوقة في التاريخ .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت