الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وفيه ثوابت ومتغيرات، والثوابت هي الإيمان بالله واليوم الآخر وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر، والإيمان ما وقر بالقلب ولا يعلم به ويقدر قيمته في نفس المسلم الاّ الله، ويقترن هذا الإيمان بتطبيقات عملية ظاهرية هي العبادات وذلك إثباتاً وتصديقاً ظاهرياً لهذا الإيمان. والمتغيرات في الدين هو ما يتعلق بموائمة الدين للتطور العلمي بالإكتشافات والإختراعات والمنتجات الحضارية والعلمية التي هي نتاج البحث العلمي والإختراع والتفكر في خلق الله، حيث ينعكس هذا التغير على أسلوب وطريقة الحياة، والذي حض عليه الله في قوله تعالى "يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون الا بسلطان"، وذلك لتطويع الكون الذي سخره الله لبني آدم والسعي فيه والتغيير للأفضل لخدمة عامة الناس. وعليه وبناء على الثوابت والمتغيرات ينقسم المسلمون الى ثلاثة أقسامٍ رئيسية:
1. المؤمنون: وهم الذين يؤدون العبادات ويلتزمون بها في مواعيدها مصداقاً لإيمانهم الراسخ بالله، ويلتزمون بأخلاق الإسلام من واجبات وحقوق ومعاملات وعلاقات بينية بين بني البشر، وذلك انطلاقاً من قناعتهم التامة في رسالة سيدنا محمد وما جاءت به من آيات من الله في القرآن الكريم، ومن سنة نبوية نصية ثابتة وفعلية متواترة صدرت من نبي لا ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى. ومن لا يلتزم بهذه العبادات التزاماً تاماً على الرغم من إيمانه برسالة الإسلام والتسليم بها ويحافظ على تعاليم وأخلاق الإسلام من أمانة وصدق وتسامح .... الخ. يظل هؤلاء في عداد المسلمين الذين لم يكتمل إيمانهم، ويقلون بدرجة عن المؤمنين. وهذه الفئة توظف الدين وتعاليمه لصقل النفس، والسمو بها بالعلو بالأخلاق، وحب المصلحة العامة وتفضيلها على المصلحة الخاصة. والصدق مع النفس، وتجديدها بما يتناسب مع روح العصر ومنتجاته العلمية والحضارية لا بل عليهم المشاركة في هذا المنحى بما وهبهم الله من عقل وحواس.
2. المراؤون: أو (الوصوليون): وهم الذين يتطلعون الى تحقيق الأهداف الخاصة على حساب توظيف الدين كوسيلة للوصول الى الهدف الشخصي، وهم الذين يتظاهرون بتأدية العبادات رياءً للدلالة على أنهم مسلمون مؤمنون وذلك لأغراضٍ وأهداف خاصة بهم، ولا يؤدونها خالصةً لوجه الله تعالى، فتجدهم يحرصون على المظاهر الشكلية للإسلام على حساب الثوابت والقناعات. مثال ذلك تربية اللحا، وقص الشوارب، وارتداء الثوب القصير.....الخ وذلك لتمييز أنفسهم عن غيرهم وتشبهاً بالسلف الصالح الذين عاشوا في عصر قديم سابق لعصرنا بآلاف السنوات ولا تتماشى طريقة الحياة فيه مع العصر الجاري الذي يعيشون فيه. ويتباهون بتأدية تلك العبادات والمَنِّ بها، وإحاطتها بهالة إعلامية توصلها الى قدر كبير من الناس. ويركزون على التفاصيل بدلاً من العناوين الرئيسة في الدين. ويعود ذلك الى نقص في التكوين النفسي منذ الصغر وإلى التجويف العقلي والثقافي والمعرفي عند الكبر لهؤلاء الناس، وعدم القدرة على استيعاب المتغيرات نتيجة التطور الحضاري والعلمي المتسارع، ويعوضون هذا الشعور بالنقص في الغذاء الفكري والثقافي والعلمي بالتظاهر بتأدية العبادات رياءً واحتماءً من النقد لما يعانونه من نقص ناجم عن محدودية الفكر وعدم سعته وتقبله للتطور والتغيير. وغالباً ما يبحثون بذلك التظاهر بالعبادات عن سلطة مهابة في إطار الدين المقدس عند الناس، أو من أجل تحقيق مصلحة خاصة بشعارات دينية مقدسة، أو تحت ضغوط شهوة الشهرة وما الى ذلك من الأغراض الدنيوية. وهم مقتنعون برسالة الإسلام لكنهم لا يطبقون أخلاق وتعاليم الإسلام المكملة لبناء صرح الإسلام على أركانه الخمسة، ويعانون من نقص في الأمانة مع النفس ومع الغير، وتغيير في المواقف حسب الأهواء والمصالح، وعدم التقية في بلاء الأمة والعمل على فضح عيوبها، ويميلون الى التدليس والتفاخر والتباهي بتأدية العبادات. ويتشرنقون داخل المجتمع ويشرذمونه بلونين (أبيض وأسود)، ويعتبرون أنفسهم اللون الأبيض وبقية المجتمع اللون الأسود، ويسمون أنفسهم المسلمين وغيرهم (الكفار) أو الجاهليين. وتتكون هذه الفئة من القيادة (رأس الهرم)، وهم الذين يحددون الأهداف والمصالح الخاصة بهم والتي ينوون تحقيقها تحت شعارات دينية ظاهرية ويخفون تلك الأهداف عن الأتباع من قاعدة الهرم التنظيمي لهم، فينخدع بهم الأتباع ويصبحون ضحية لأفعالهم. وأتباعهم من صغار السن اليافعين الذين يفتقرون الى الخبرة والتجربة والغضاضة الثقافية، وكذلك من بسطاء المجتمع من أميي الثقافة والعلم والمعرفة، ومن المحتاجين الباحثين عن سد حاجاتهم. وهؤلاء اليوم يشكلون الغالبية في المجتمعات الإسلامية في ظل التخلف والجهل الذي تعيشه الأمة بكل أطيافها.
3. المنافقون: وهم المسجلون في بطاقاتهم الشخصية أنهم مسلمون، ولكنهم بقناعاتهم الداخلية لا يعترفون أو يؤمنون برسالة الإسلام، لكنهم كالحرباء يتلونون بلون البيئة الديمغرافية والعقائدية التي يعيشون فيها، وربما يؤدون العبادات ويحافظون عليها، وذلك للتقرب من جوف الأمة للوصول الى أسرارها وإفشائها للأعداء واللعب على متناقضاتها بهدف العبث بها وتدميرها. فيصعب على الأمة التعرف على ما يبطنونه من نوايا سيئة. فهم وباختصار يظهرون خلاف ما يبطنون. ويختلفون عن المرائين بأنهم لا يقتنعون ولا يؤمنون برسالة الإسلام جملةً وتفصيلا. ولكنهم يمارسون العبادات من أجل التضليل والخديعة، وهم الأخطر على الأمة لصعوبة تمييزهم عن المسلمين والمؤمنين منها. فتقع الأمة في فخهم وتدخل في دوامة صراعٍ ذاتي، فتتسبب في تدمير الأمة من الداخل ليسهل اختراقها من الخارج. وحقيقة الأمر فإن الكافرين المجاهرين بكفرهم يقلون عنهم خطورة.
والسؤال الأهم هو كيف تكون مسلماً متجدداً؟
• المحافظة على أخلاق الإسلام بالصدق مع النفس أولاً وبالتالي الصدق مع الآخرين ثانياً. ومحاسبة النفس اولاً قبل محاسبة الآخرين ثانياً، وإعمال الرقابة والمراجعة الداخلية بالضمير المتيقظ الحي قبل أن التعرض للمراجعة الخارجية. والتحلي بالأمانة والإخلاص وحسن النوايا في كل الأعمال. وأن يحب الإنسان لغيره ما يحبه لنفسه، فيحظى بحب الناس وثقتهم. فبداية النبوة لسيدنا محمد كانت حسن الخلق وعظمه. وتنقية القلب من الشوائب التي تثيرها الشهوات والأهواء والرغبات الدنيوية. وإن كان المسلم مقصراً بالعبادات فسوف يتلافى هذا التقصير بالتمسك بأخلاق الإسلام ويكتمل إيمانه.
• التمسك بثوابت الدين بإجتناب الحرام والتمتع بالحلال المباح، حيث أن المحرمات ذكرت نصاً في متن القرآن الكريم وهي هوامش ضيقة، وما تبقى هي مناطق الحلال، ومناطق الحلال رحبة وفسيحة لأن ديننا دين يسر وليس دين عسر.
• إتباع الوسطية في كل مناحي الحياة، والبعد عن التعصب والتطرف وعن تضييق الحياة على النفس وعلى الغير. وانتهاج التسامح مع الآخرين فيما لا يتعارض مع الوسطية ومناطق الحلال الرحبة. والحكم على الآخر في أمر ما بأن يضع الإنسان نفسه مكان الآخر في هذا الأمر ويتعامل معه على أساس حكمه على نفسه إن وضع في نفس الأمر.
• التركيز على بواطن النفس فيما يتعلق بالإيمان بالله والبعد عن المظاهر والشكليات المتعارف عليها والدالة على المسلم بشكله كما هو متخيل في العصور السالفة، فتنقية النفس من الداخل هي الأساس في فرز وتصنيف المسلمين بين المؤمنين والمرائين والمنافقين عند الله. وعدم أخذ الناس بمظاهرهم ومناظرهم واحترام حرياتهم في اختياراتهم في التعبير عن عقائدهم ما دامت هذه التعبيرات لا تضر بالمصلحة العامة ولا تتعارض مع الأخلاق والقيم السائدة.
• أعبد ربك لنفسك ولمنفعتك عند لقائه، ولا تعبده خشية أو تقرباً من أشخاص أو سلطات، ولا تمن بعبادتك وتتظاهر بها لتتفاخر وتتباهى، ولا تعبده من أجل الوصول لهدف دنيوي زائل، وإتبع القول المأثور لسيدنا علي كرم الله وجهه" إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
• إعمال آلية التغيير في النفس بما يتماشى مع روح العصر ومنتجاته الحضارية والعلمية، وتقبل المكتشفات الجديدة والتعامل معها بما لا يتنافى مع الثوابت والقيم والأخلاق ومواكبتها لكي تتوافق مع مسيرة الحياة على سطح هذا الكون المتجدد وبذلك تسهل على نفسك الحياة وتنعم بها ضمن ما توصل اليه الإنسان من علم واختراع. فطلب العلم يبدأ من المهد وينتهي باللحد.
• قراءة القرآن بتمعن وتفهم وتحليل وتدقيق، وإسقاط المفاهيم القرآنية على مظاهر وماديات وروحانيات العصر الجاري الذي تعيش فيه، ومحاولة موائمتها على ما حدث من تغيير وتقدم وتطوير، ولا تسقط المعاني والمفاهيم على الماضي، وتعكسها بمضامينها ودلالاتها في عصرها على الحاضر متقمصاً شخوص الماضي، وتعيش في زمان وعصر عاشه السالفون، فتصبح منبوذاً مدحوراً متوحداً مع نفسك في عصرك. وحاول جهدك ما استطعت أن تشارك في عملية التغيير والتطوير لتكون فاعلاً في التغير والتطور بين العصور لتجد لك مكاناً وحيزاً على خريطة هذا الكون.
وخلاف ذلك ستكون مسلماً متجمداً مكبلاً مقيداً ومنبوذاً وأسيراً للتعصب وللنظريات المجردة من الفعل والتطبيق، فتمنع التغيير، ولا تتفاعل مع التغيّر، وتفقد ميزة أنك مسلم متجدد يؤمن بصلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان وأنه يستوعب الزمان والمكان لأنه من عند خالق الزمان والمكان الذي ليس كمثله شيء.
ملاحظة:
ليتذكر القادمون الجدد الى الحكم في دول ما يسمى بالربيع العربي أن المجتمع اختار وانتخب الإسلام بعدله وسماحته ويسره ورحابته، ولم ينتخب أو يختار الشخوص الممثلين بأحزاب وحركات إسلامية لشخوصهم، لذلك يتوجب عليهم التحلي بأخلاق الإسلام قبل التظاهر بمظاهر المسلم من عبادات وملامح، وانتهاج الأمانة والعدل والصدق والتسامح ونبذ الإنتقام والكبر والغرور وعدم السعي الى السلطة للإمساك بها والعض عليها بالنواجذ، وليتذكروا قول الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر" صدق الله العظيم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت