المتابع للشأن المصري يصاب بحالة من فقدان الوعي حول الأسباب الحقيقية لهذا الصراع القائم بين الليبراليين واليساريين والثوار من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، فكل طرف يسوق مبرراته للتصعيد اللفظي والإعلامي ضد الأخر دون النظر لمصلحة مصر العليا التي باتت لا تعني أي من الطرفين..
ويعمل كل طرف (ليبراليين، إسلاميين) لتسويق رؤيته على أنها تمثل مصلحة مصر، متناسين أن حالة الصدام في الرؤى تنطوي على مخاطر فقدان مصر لدورها الإقليمي، بل ويمتد الأمر إلى تدمير قوة مصر..
وتبدو حالة الصمت والرضى الأمريكي للوهلة الأولى غريبة على ما يجري في مصر، ولكنها حالة صمت مريبة تحمل في طياتها مخطط أمريكي إسرائيلي لتدمير اكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط بعد تدمير القوة العسكرية السورية والعراقية القريبتين من إسرائيل..
فالأزمة القائمة في مصر تأخذ عناوين مختلفة ولكنها ليست الأزمة الحقيقية، وإنما هي حالة صراع بين قوى ليبرالية باتت تخشى على وجودها وإندثارها في ظل التمدد الإسلامي، وهذه الحالة لم تجد من الإسلاميين من يستوعبها ويتعايش معها ويعمل على احتوائها، فانتهت الأزمة إلى تصعيد وقرارات في بعضها غير محسوبة ومتسرعة وجاءت كرد فعل، وليس ضمن مخطط استراتيجي طويل المدى للسيطرة بهدوء على أركان الحكم دون الوصول لحالة الصدام المباشر أو تأجيلها في الفترة الراهنة.
منذ نحو ثلاثين عاماً كانت الحركة الإسلامية في تركيا تعيش نفس التجربة من قمع العلمانية لهم، لكن أدائهم تميز بحنكة أعجبت الأتراك الذين أصروا على انتخابهم في كل مرة كانت تصادر أصواتهم فيها، ولكن الحركة الإسلامية في مصر وخاصة الإخوان المسلمين افتقدت إلى الآن الحنكة الإسلامية التركية والى حد ما الرؤية التونسية، واعتمدت في إدارة الصراع على ما توفره الأوضاع الراهنة من معطيات في صالحها رغم إدراكها أن حسم الإستفتاء أو الإنتخابات البرلمانية المقبلة لن يحل المشكلة بل سيزيد من توحد الليبراليين، وبالتالي لا بد من التريث في الخطوات والقرارات والعمل بهدوء وحنكة حتى لا تنطوي على مفاجأت غير محسوبة..
أما ما يجعل الإستفتاء على الدستور يمر بالموافقة ليس قوة الإسلاميين بقدر ما هو ضعف الليبراليين في الحشد للتصويت ضد الدستور، إضافة إلى غياب أصوات الحزب الوطني المنحل في هذا الاستفتاء لشعورهم بأن الأمر لا يعنيهم رافعين شعار المثل الشعبي "فخار يكسر بعضه"، كما أن ضعف الإقبال أو عدم وصوله حدود 40% من قبل المصريين على الإستفتاء يؤكد أنه سيمر بالموافقة..
ليس المهم لدى صناع القرار في مصر أن يمر الاستفتاء وخاصة الليبراليين ولكن الأهم ما يعقب الاستفتاء، وبالتالي يصبح على عاتق الإسلاميين عدم التعامل مع النتيجة وكأنها انتصار لهم، وإنما يجب التعامل مع الطرف الأخر بحرفية والعمل على احتوائه وترضيته خاصة إذا علمنا أن عدد كبير من واضعي الدستور حتى من الإخوان المسلمين غير راضين عن بعض نصوصه، وبالتالي لا بد من تعديل المواد الخلافية وتهدئة مخاوف القضاة واتخاذ إجراءات جادة من اجل توحيد الصفوف لكي لا يكون مصير مصر كمصير ليبيا من الصراعات أو سوريا وهو المخطط الأمريكي الإسرائيلي الهادف لتدمير قوة مصر العسكرية..
قوة الليبراليين لا يستهان بها في مصر، وما تحتاجه هو مزيد من الوقت لتنظيم صفوفها وحشد الأصوات غير المؤيدة للإسلاميين وجعلها تأخذ القرار الايجابي بالمشاركة في العملية الديمقراطية، وهو ما سعت من اجله لتعطيل الدستور، وبالتالي يصبح أمر التعامل معها بحنكة ضروري.
الإسلاميين في مصر عليهم تعلم أن الديمقراطية ذو وجوه متعددة قد تعطيهم الحكم وتسلبه منهم في المرة القادمة، مما يجعل الوصول إلى آلية لإدارة البلاد ما بين الليبراليين والإسلاميين أمر حتمي في الوقت الراهن، ولا بد من الابتعاد عن لغة التكفير والاتهامات المتبادلة والوصول للغة مشتركة لدعم الحكومة المقبلة..
صراع الفضائيات في مصر بات مدعى للقلق، وخطة النهضة الموعودة في مصر جزء كبير منها ليس من صناعة الإسلاميين وإنما هي خطة موجودة وبدأ العمل في أجزاء منها في عهد النظام البائد، لكنها كانت خطة لا تراعي الطبقات الاجتماعية ولا تضع نصب أعينها مراعاة الفئات الفقيرة وهو ما تم تطويره في خطة الإسلاميين وجاء تأثراً بالثورة ورجالها من الطبقة المتوسطة الذين انتفضوا دفاعا عن الطبقة المسحوقة..
لا مخرج للاستقرار والانطلاق نحو تطبيق خطة النهضة سوى الوصول لحالة من الاتفاق والتناغم بين الإسلاميين والليبراليين لان كل منهم يشكل جزء كبير من المجتمع المصري..
بقلم/ حسن دوحان
باحث وصحفي فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت