عندما قام سعد زغلول مع زميليه على شعراوى وعبد العزيز فهمى بزيارة المندوب البريطانى، السير وينجت، فى 13 نوفمبر 1918 للمطالبة باستقلال مصر، لم يحصل سعد على اجابة واضحة وانما صرفه وينجت ومن معه بديبلوماسية باردة ليتصل بعدها بحسين رشدى باشا، رئيس الوزراء والداعم لفكرة الزيارة، ليخبره أن سعدا ورفيقيه لا يمثلون إلا أنفسهم، فيجيبه رشدى "أنهم يملكون التحدث باسم الأمة لأن سعد زغلول وكيل للجمعية التشريعية وزميليه عضوين فيها"، فلم يقتنع وينجت، فأبلغ رشدى سعد زغلول بموقف المندوب البريطانى، فاشتاط غضب سعد وقرر تلقين ذاك المغرور وينجت درسا من دروس السياسة، فاتفق مع أصحابه فى نفس اليوم على تأليف "هيئة" من سبعة أعضاء برئاسته إختاروا لها اسم "الوفد المصرى"، رأى سعد وجوب تدعيمها بتوكيلات من الأمة تمنحهم صفة التفاوض بإسمها وعنها !
وهنا تحديداً ظهرت عبقرية سعد، وكيف استخدم حيل الفلاح ودهائه الفطرى ليحرك الأمة بكاملها لمصلحة الوطن، فالتوكيلات كانت مجرد صيغة انشائية جرى عليها توقيع العامة، بمعنى أنها توكيلات صورية او معنوية غير رسمية وغير منشئة لمركز قانونى ولا يعتد بها فى المحاكم المصرية أو الدولية ! ولكنها، رغم ذلك، شكلت قوة أكبر من أى قانون أو دستور، قوة أكبر من بريطانيا العظمى نفسها، قوة شعبية خلقت الزعيم سعد وأجلسته متربعا على عرش القلوب الى ما شاء الله تعالى، ذلك لأن سعداً إحتال للإستقواء برجل الشارع، فاخترع فكرة التوكيلات، وذهب الى البسطاء يطلب تأييدهم بالتوقيع عليها، فشعر كل منهم أنه ذو قيمة فى وطنه وأنه رقم فاعل فى صناعة مستقبل بلاده، وأن الباشا سعد يحتاج مساعدته هو تحديدا رغم انه مجرد حرفوش .. رعاعة من رعاع الأمة التى يفاخر الباشا بأنه زعيمهم وبأن كل أقاربه من صغار الفلاحين لابسى الجلابيب الزرقاء، وهى الحقيقة بالمناسبة، فكيف نتوقع ردة فعل هؤلاء البسطاء ؟
إنه الإحتيال المباح المطلوب فى العمل السياسى، أعنى الإستقواء بالأمة بكل السبل، الأمة التى تحترف فن صناعة الزعماء إن وجدت من يستحق ، هل وصلت الرسالة ؟
ضمير مستتر:
( إن مصدر قوتى أنى لست إلا مُعبِراً عن شعور الأمة وأرائها، مُعرِباَ عن تصميمها على أن تعيش حرة مستقلة ) ـ سعد زغلول
علاء الدين حمدى
باحث سياسى مصرى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت