تتعرض المنطقة العربية لشتى الاختبارات منذ احتلال العراق ، واليوم بدلا من ان تكون فلسطين هي البوصلة بدأ البعض يبتعد عنها ويغير وجهتها ولم يلتزم حتى بالقرارات التي يوافق عليها ارضاءا للولايات المتحدة الامريكية وحليفتها اسرائيل وذلك بهدف الإمساك بكل شيئ في المنطقة بما فيه النفط وشرايينه. هذه الصورة لم تتغير ولن تتغير، لكن المتغيرات التي انهالت على المنطقة حسب ما أرادها اللاعب الاميركي الكبير تجارب لأفكار واتى على راس بعض السلطات قوى ما يسمى بالاسلام السياسي ليدفعها للانتقام من مكونات خصومها بدل ان تكون الديمقراطية أساسها.
سقطت أقنعة كثيرة على المستوى العربي وهذه الاقنعة تتوافق مع اهداف الدول الاستعمارية ، حيث نسى هؤلاء العرب شبكة الامان العربية لدعم السلطة الفلسطينية ، وتناسوا ان الشعب الفلسطيني يتعرض لابشع عدوان وهجمة استعمارية تستهدف الشجر والحجر والبشر ، واسرى ومعتقلين يعانون الاضطهاد والظلم التعسفي ، حيث بمواقفهم وسلوكهم اليوم يخدمون مخططات الاحتلال الصهيوني ، ولهذا نقول لم يعد الشعب الفلسطيني يسمع من هؤلاء سوى البيانات اللفظية وادعاءات الحرص.
ان ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية ً، من تدخل مباشر وغير مباشر، في وضع المنطقة لتعميم الفوضى الخلاقة تحت يافطة حرصها على اوضاع البلدان العربية التي شهدت وما تزال ثورات عربية هو بهدف ابعاد الشعوب عن دائرة الصراع مع العدو الصهيوني وعن بوصلة فلسطين .
ولكن ، على الرغم من كل هذه الاحتمالات المشوبة بعوامل القلق والمحاذير، إلا أننا نؤكد على أن الشعوب العربية التي تعيش اليوم على عتبة مرحلة جديدة من النهضة تتجاوز أنظمة الاستبداد والتفرد المطلق للحاكم، بمثل ما تتجاوز أيضاً المطلق الأيديولوجي الديني او شعار "الاسلام هو الحل" ، استنهاض الحالة الثورية ومواصلة نضالها وصولا الى بناء نظام ديمقراطي برلماني يضمن تحقيق الحرية والعدل والمساواة والاستقرار، وأن تتحطم محاولات سرقة الثورة .
وفي هذا السياق ، فإن ادراكنا لطبيعة عملية التغيير الثورية التي هبت من اجلها الشعوب العربيه ،تبرهن اليوم على القدرة على فرض هذه المتغيرات، وهذا يتطلب من القوى الديمقراطية واليسارية الالتحام الحقيقي في صفوف جماهير الانتفاضات الشعبية لمزيد من توعيتها بمصالحها وبمستقبلها صوب المزيد من وضوح رؤاها وبرامجها في إطار البديل المنشود.
وفي هذا السياق ، فإن القضية التي يجب أن تستوقف القوى الديمقراطية والتقدمية الساعية إلى عملية التغيير ، الحذر من الشاريع الأمريكية الهادفة الى التمدد و الهيمنة على منطقتنا العربية خصوصاً ، لتكريس تبعيتها و تخلفها من جهة ، و إعادة هيكلتها و تكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة شبه مطلقة لسياساتها في المنطقة التي تستهدف تجديد الدور الوظيفي للعدو الصهيوني و دولته بما يتوافق مع مستجدات المصالح الأمريكية المعولمة الراهنة ، بحيث تصبح إسرائيل "دولة مركزية" في المنطقة العربية والإقليمية ، بما يضمن ويسهل عملية "التطبيع" و "الاندماج" الإسرائيلي في المنطقة العربية ، سياسياً و اقتصادياً ، تمهيداً للقضاء على منظومة الأمن القومي العربي كله من جهة و بما يعزز السيطرة العدوانية الإسرائيلية على كل الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة أو التحكم في مستقبلها من جهة أخرى .
إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعبنا أو الشعوب العربية كلها ينطلق في حسم الصراع العربي الصهيوني بما يحقق أماني و مصالح هذه الأمة ، لا يعني أننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان و المكان دوراً رئيسياً و أحادياً فيها ، بل يعني تفعيل وإنضاج عوامل و أدوات التغيير الديمقراطية ، و البحث عن اسنادها بعوامل ملحة من قلب واقعنا الراهن ، حتى لا يضيع الهدف الرئيسي للصراع .
امام كل ذلك نرى المشهد الفلسطيني الوحدوي الغامر بالفرح العفوي للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات والمنافي وبين مجمل فصائل وحركات واحزاب الحركة الوطنية الفلسطينية ، وخاصة على ما تحقق في الامم المتحدة كخطوة لا بد من المراكمة عليها في مسيرة النضال المتواصل ،اذ أن هذا المشهد الزاخر بالتضحيات وبالصمود والمقاومة الباسلة والتي اتى بعد انتصار غزة ، لا معنى له ولا قيمة إن لم يكن تحريضا ثوريا ًوديمقراطيا لكل ابناء الشعب الفلسطيني من اجل انهاء الانقسام على قاعدة برنامج الاجماع الوطني وثوابته, واستعادة الوحدة الوطنية في اطار التعددية والصراع الديمقراطي والسياسي الداخلي الذي يؤكد على تمسكه والتزامه بممارسة النضال بكل اشكاله السياسية والكفاحية والديبلوماسية ضد العدو الصهيوني .
ختاما لا بد من القول ان المرحلة الراهنة تتطلب الاسراع لعقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير لوضع آليات تطبيق اتفاق المصالحة بكل بنوده كخطوة اولى تطوي صفحة الانقسام الكارثي ورسم رؤية وطنية مشتركة تمثل برنامج الحد الادنى لبعض فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية ،ومن ثم الدعوة تشكيل حكومة طوارىء تقوم بالتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية ،وبذلك تكون مصداقية الموقف الوطني لدى حماس وفتح وبقية الفصائل والاحزاب من اجل توحيد الضفة والقطاع سياسيا وجغرافيا ، حتى لا نصل الى مرحلة تصبح فيها غزة ولاية اسلامية منفصلة كليا عن المشروع الوطني عموما وعن الضفة الغربية خصوصا ، وحتى لا تتحول الضفة الى كانتونات وفق الرؤية الصهيونية ،المطلوب الان وفورا مغادرة عقلية التعصب الفئوي لهذه الفصيل او ذاك والتمسك ببوصلة الانحياز للشعب والوطن والقضية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت