الوصول إلى رام الله

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
الوصول إلى رام الله
طبقاً للمعادلات الرياضية المتعلقة بالمسافة والسرعة يمكن لنا القول أن المواطن باستطاعته الوصول من غزة إلى رام الله في فترة زمنية لا تتجاوز الساعة، وقد تتسع الساعة لتشمل التوقف لاحتساء فنجان من القهوة، لكن المعادلات الرياضية تصبح خارج الخدمة عندما يتعلق الأمر بالحواجز ومتطلباتها، وتسقط معها أيضاً الكثير من مفردات الصبر، رحلة الذهاب من غزة إلى رام الله هي الأكثر تعقيداً في الانتقال بين مدينتين داخل وطن واحد على مستوى العالم، بل تتفوق بتعقيداتها على رحلة الانتقال من قارة إلى أخرى، عادة ما ترتبط مشقة السفر بتعقيداته أكثر من ارتباطها بتباعد المسافات، وقد تنبع المشقة أحياناً من رحم الازدحام، ولكن مشقة السفر بين غزة والضفة الغربية ليس لها علاقة بذلك، فعدد المغادرين أو القادمين عادة لا يتجاوز العشرات، وتقتصر في غالبيتها على الحالات الإنسانية المتعلقة بالعلاج.
تبدأ الرحلة بإجراءات روتينية لتسجيل المغادرين، تستقل بعدها سيارة لتنقلك إلى "كرافان" يعمل فيه موظفون من هيئة الشؤون المدنية، يتم من خلالهم التأكد من موافقة الجانب الإسرائيلي على السماح لك بالعبور إلى الشق الآخر من الوطن، وبين برهة وأخرى تسمع طلقات نارية كأنها رسالة إسرائيلية مفادها "نحن هنا"، بعد انتظار قد يطول أو يقصر طبقاً لرد الجانب الإسرائيلي، تستقل عربة صغيرة جيء بها من ملاعب "الغولف" بعد "ماراثون" حوار طويل خاضته الشؤون المدنية للحصول على الموافقة الإسرائيلية على عملها، على أي حال وجودها خفف من معاناة كان يتكبدها المواطن وبالذات "كبار السن والمرضى" في قطع المسافة سيراً على الأقدام.
بعد ذلك يبدأ الفصل الذي يخرجك من طور الآدمية ويتطلب منك سعة صدر على غير العادة، فعليك أن تسير عبر سلسلة من البوابات التي يتم التحكم فيها عن بعد، وغالبيتها بالكاد تتسع لمرور جسد نحيف، وأنت بحاجة لأن تبدي شيئاً من الخفة بالحركة إذا ما تعلق الأمر بحقيبتك الصغيرة التي عليها أن تعبر بجانبك البوابات الدوارة، وخلال ذلك تكون قد تخليت عن معطفك وكل متعلقاتك كي تتمكن من تجاوز اختبار الأشعة، وما أن تتمكن من فعل ذلك تجد نفسك أمام مجندة لا تعرف من أي البلدان جاءت، وبعد أن تدخل البيانات لجهاز حاسوب تطلب منك العودة والانتظار، يبدو أن الحاسوب لديه اعتراض على صاحب البيانات، وإلى أن تفك شفرتها عليك الانتظار دون ملل، انتظار عادة يكفي للسفر من دولة إلى أخرى، وأخيراً تتفضل بالسماح لك بالمرور بثلاثة تصاريح، الأول يسمح له بالخروج إلى الضفة الغربية في اليوم المحدد وساعات محددة منه، مذيل بعبارة ساري المفعول بالرغم من الحظر، والثاني يتعلق بالأيام المسموح لك فيها بالمكوث المؤقت في الضفة الغربية، والثالث المتعلق باليوم والساعة المسموح لك فيها بالعودة إلى قطاع غزة.
الإجازة التي تعطيها إدارة السجون لنزلائها لا تتضمن عادة مثل هذه الاشتراطات والقيود، وحكومة الاحتلال تتعامل مع قطاع غزة باعتباره سجناً كبيراً تضيق الخناق على نزلائه، وهي تهدف من وراء هذه الإجراءات الممنهجة زيادة التباعد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونحن بفعل الانقسام اختصرنا الكثير من الوقت والجهد على حكومة الاحتلال لترسيخ ما تهدف إليه، واستمرار الانقسام على حاله، شئنا أم أبينا، يقودنا لذات المنزلق الذي تخطط وتسعى لتنفيذه حكومة إسرائيل، ونحن ما زلنا نتجاهل مضامين رحلة الوصول إلى رام الله.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت