لم يصدق الحضور أن في قطاع غزة حكومة، ورئيس وزراء، ووزراء، ووكلاء وزارة ومدراء عام، لا تتجاوز مصاريفهم النثرية مبلغ 150 ألف دولار شهرياً، وأن لدى الحكومة في قطاع غزة 42 ألف موظف، وخمسة ألاف موظف بنظام العقد، تبلغ مجموع رواتبهم 124 مليون شيكل فقط، أي ما يعادل "37" ميلون دولار، لقد أبدى معظم الحاضرين ارتياحهم للمعلومات التي ضخها بغزارة نائب رئيس الوزراء الفلسطيني المهندس زياد الظاظا.
لم يشدني في اللقاء مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الذي دعى له المكتب الإعلامي الحكومي غياب شخصيات حماس عن اللقاء، واقتصار الحضور على نخبة من الكتاب والمفكرين والمهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي، بالإضافة إلى عدد من شخصيات المجتمع المدني، ولم يشدني في اللقاء تلك اللغة النقدية الهجومية التي عبر عنها المتحدثون تجاه للحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولحركة حماس بشكل عام، ولم تشدني سعة صدر نائب رئيس الوزراء، الذي اعتاد على سماع النقد والنقض والاعتراض في كل مكان، دون أن يخشى الناقد ردة فعل الحكومة، وفي هذا اعتراف صريح بأن الناس في غزة تعيش أجواء من الديمقراطية لا تتواجد إلا في الدول المتحضرة.
ولم يشدني اعتراض الحضور على إدارة الحكومة لشئون الحياة اليومية في كثير من المسائل، واختلاف الحضور مع بعض تصرفات حركة حماس داخل الشارع الفلسطيني، ومع ذلك، فقد وقف جميع الحضور صفاً واحداً خلف موقف حركة حماس السياسي، ولم يبد أي منهم اعتراضاً على موقف الحكومة الفلسطينية من المقاومة، لقد كانت الثوابت الفلسطينية جزء من النقاش، وكانت أساس التوافق الذي أجمع عليه الحضور، وفي ذلك رسالة تعكس مزاج الشارع إلى ذوي الشأن الفلسطيني.
إن الذي شدني في اللقاء مع نائب رئيس الوزراء هو سحر الأرقام التي قدمها المهندس زياد الظاظا، لقد أبدى الرجل اهتماماً دقيقاً بالأرقام المعبرة عن واقع الحياة في قطاع غزة، لقد كان للأرقام تأثير إيجابي على الحضور، الذي تحول بمعظمه من معارض إلى مقتنع، ومن ناقد علانية إلى مهادن، ومن مختلف إلى متفق، لقد أبدى الجميع في نهاية اللقاء إعجابهم بعمل الحكومة الفلسطينية ولاسيما في هذه الظروف القاسية، وأبدى البعض استعداده للشد من أزرها، وراح البعض يطالب بنشر هذه المعلومات الرقمية، لتكون الحقيقة في متناول الجميع.
الأرقام التي ذكرها نائب رئيس الوزراء تغطي عمل معظم الوزارات، ولكن الذي شدني بالأرقام هو إنفاق وزارة الشئون الاجتماعية مبلغ 9 مليون دولار على عدد 50 ألف حالة شئون اجتماعية، وهنالك 54 ألف حالة شئون اجتماعية يتلقون مساعدات غذائية، وهذا مؤشر اجتماعي طيب، فإذا أضيف للأرقام عدد 465 طالب في المراحل التعليمية الأولى، وعدد 80 ألف طالب رياض أطفال، وعدد 70 ألف طالب جامعي، لتكون النتيجة 515 مليون إنسان، أي ما يعادل ثلث سكان قطاع غزة؛ ما زالوا يتلقون تعليمهم، وفي ذلك تأكيد على أن نسبة الأمية في قطاع غزة قد بلغت صفر في المائة، وهذا أفضل مؤشر عالمي تتفاخر فيه غزة.
هنا سأجرى مقارنة رقمية، واترك الحكم للقارئ: لقد بلغت المصاريف النثرية للحكومة الفلسطينية في قطاع غزة مبلغ 150 ألف دولار، في حين بلغت المصاريف النثرية لحكومة السيد سلام فياض مبلغ 120 مليون شيكل، كما أكد ذلك بسام زكارنة، رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية، في تصريح له لوكالة معا للأنباء بتاريخ 17/5، فهل يمكن إدراك بعض أسباب المصائب المالية التي تعصف بحياة الموظفين؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت