ما أتت عليه لجنة التحقيق محرَّم ومجرَّم ومعيب!

بقلم: أيوب عثمان


إن صح أن لجان التحقيق إنما يتم تشكيلها لتكون وسيلة أو أداة للوصول إلى العدالة، فإن ما يتوجب الاهتمام به والحرص عليه هو أن يُزال من درب العدالة كل ما يشوبها أو يعيق تحقيقها أو يؤجل الوصول إليها. غير أن كل ما صادفني من تصرفات أتت عليها لجنة التحقيق كان يثبت- وعلى نحو تراكمي- أن لجنة التحقيق قد كان تشكيلها وقد جاءت صياغتها ليس لكي تكون كسباً للعدالة وتحقيقاً لها، وإنما لكي تكون على حساب العدالة أو عامل تعطيل وإعاقة أو تأجيل لها.
تقدمت بطلب لرد لجنة التحقيق أو لتنحية بعض أعضائها أكثر من مرة، بغية أن يصبح درب العدالة سالكاً من أي من معوقاته، وقد كان طلب ردي المتكرر لهذه اللجنة قد قامت به أسباب ردها ومسوغات تنحيتها، دون استجابة سواء من اللجنة بكاملها أو من بعض أعضائها أو من المرجع الرئاسي المنشئ لها. لقد طلبت تنحية اللجنة بكاملها، نظراً لانعدام النزاهة فيها، وعدم توفر الحيدة لديها، مع توفر الرغبة الطافحة عندها في إدانتي بأي طريقة، انطلاقاً من تشابك المصالح وتبادل المنافع ورد الجمائل، ما يجعل عملها مشوباً بالبطلان ومعطلاً للعدالة، لا سيما وإن تعليمات صدرت إلى إدارة الجامعة من رئيس مجلس أمنائها الذي أختلف معه اختلافاً بيناً يعلم مدى حدته كثيرون وأولهم لجنة التحقيق التي قبلت على نفسها أن تكون أمام حكم مسبق يتوجب عليها إصداره، بناءً على تعليمات صدرت من رئيس مجلس الأمناء إلى إدارة الجامعة ولجنة التحقيق.
لقد اعتَرَتْ لجنة التحقيق مفاسد واضحة وفاضحة لفتها واحتوتها. إنها مفاسد يندى لها جبين الزمن وجبين القانون وجبين الإنسانية وجبين الطبع السليم، ونشير إليها على النحو الآتي:
أولاً: مفسدة رئيس لجنة التحقيق فيما يخصه:
(1) واصل رئيس لجنة التحقيق عمله رئيساً للجنة، على الرغم من مطالبتي إياه بتنحية نفسه ثم قيامي برده، مؤيداً مطالبتي هذه بإثبات عدم قدرته على إقامة العدل بين متخاصمين أحدهما (الذي هو خصمي) يتمتع هو معه بعلاقة حميمية نادرة وثانيهما (الذي هو أنا) يتمتع معه بعلاقة معاكسة تماماً!
(2) لم يُنَحِّ رئيس اللجنة نفسه عن التحقيق فقَبِلَ بالتكليف الصادر له، مجيزاً بذلك لنفسه القيام بالتحقيق مع من يحب ومع من لا يحب في آن معا، مسيئاً في ذلك إلى العدالة وموزاينها، حيث إن ما كان ينبغي له أن يفعله هو أن ينحي نفسه قبل أن يُنَحَّى أو أن يستجيب لمطالبتي بتنحيته، لا سيما إذا كانت مطالبتي مبنية على أسس العدالة.
(3) لم يلتفت رئيس اللجنة إلى أن ما يحمل ضدي من رأي وحكم مسبقين هو مسوغ قانوني من مسوغات المطالبة برده.

ثانياً: مفسدة رئيس لجنة التحقيق فيما يخص عضوي اللجنة معه:

(1) لم يعطِ رئيس لجنة التحقيق أي أهمية لمطالبتي بتنحية أحد عضوي اللجنة لأن وجوده عضواً في اللجنة يخالف المادة (47/ب) من نظام جزاءات الهيئة التدريسية التي تنص على أنه " لا يجوز توقيع الجزاء من صاحب رتبة أدنى أكاديمياُ وإدارياً على صاحب رتبة أعلى ...".
(2) لم يلتفت رئيس اللجنة مطلقاً إلى ما أوردْتُ من معلومات وما قدمت من مبرزات تثبت انعدام الحيدة والشفافية والنزاهة عند أحد عضوي اللجنة.
(3) تجاهل رئيس اللجنة لمسوغات مهمة من مسوغات رد أحد عضوي اللجنة، والمتمثلة في حيثيات حكم قضائي وصفت أحد عضوي اللجنة بأنه "مزور" لقيامه "بتغيير كلي في محاضر لجنة التحقيق التي كان هو مقرراً لها".

ثالثاً: مفسدة المراجع المنشئة للجنة التحقيق:
ليس هناك مفسدة أكبر وأخطر من أن تصر المراجع الآمرة بإنشاء لجنة التحقيق على استمرار لجنة قامت لردها أسباب الرد، وعلى استمرار أعضاء أبرزْتُ ضدهم وثائق رسمية وحيثيات أحكام قضائية ذهبت كلها إلى وصف بعض أعضاء اللجنة بالتزوير، الأمر الذي يقضي بضرورة رده عن اللجنة وإبعاده وتنحيته. هذا ما أتى عليه رئيس جامة الأزهر، مع بالغ الأسف، بصفته منشئ لجنة التحقيق، وإن كان قد تلقى إملاءات بإنشائها من علٍ.

رابعاً: خلاصة توصيات لجنة التحقيق

مفاسد لجنة التحقيق برئيسها وعضويها، ومنشئيها:
(1) اللجنة التي أصدرت خلاصة توصياتها برئيسها وعضويها استمرت في عملها بالرغم من مطالبتي المتكررة بردها وتنحيتها لأسباب قانونية تتصل بتأمين الوصول إلى العدالة.
(2) أصدرت اللجنة توصياتها دون أي تحقيق معي في التهمة الموجهة لي، وهي "الإساءة لسمعة الجامعة والتشهير بها وبمجالسها المختلفة".
(3) كثير من عبارات ومفردات وتوصيفات اللجنة في خلاصة توصياتها لا تتطابق مع واقع الحال، ولا تتوافق مع الأصول. وللتدليل على ذلك، فإننا نورد الآتي مثالاً لا حصراً:
• تقول اللجنة:"وبعد الاستماع لأقوال الدكتور أيوب عثمان بشأن المقالات...."، في الوقت الذي أؤكد فيه على أن هذه اللجنة لم تستمع إلى أقوالي بشأن المقالات، البتة.
• تقول اللجنة: "المقالات... التي تحمل إساءة للجامعة وتشهيراً بسمعة الجامعة ومجالسها والقائمين عليها والعاملين فيها"، دون أن تفكر هذه اللجنة في أنها لا تستطيع أن تصف مقالاتي بأنها تحمل إساءة وتشهيراً إلا بعد أن تجري معي تحقيقاً أؤكد ثانية أنها لم تُجْرِهِ، البتة.
• تقول اللجنة: "... تبين للجنة بكل وضوح..."، فيما ينبغي لمن يستخدم لفظة "تبين" ألا يستخدمها إلا أذا ملك قدراً كبيراً من الدقة والتبين والتبيان والتبيين، وهو ما لا مكنة للجنة في امتلاكه، ذلك أنها فعلت ما فعلت دون تحقيق، الأمر الذي يفقدها إما القدرة على التبين والتبيان والتبيين، أو الرغبة فيه.
• كيف للجنة التحقيق أن تتوقع مني أن أستأذن إدارة الجامعة في كتابة ما أنا ممنوح في شأنه حماية إلهية وتوجيهاً نبوياً؟! أليس كافياً قول الله تعالى: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين" وقول رسولنا الكريم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"
• إذا كانت اللجنة تشير في توصياتها إلى "تنبيه" وجه إليَّ من رئاسة الجامعة، فقد كان من الأجدر بها- وهي التي كلفت بمهمة الوصول إلى العدالة- أن تطلع أيضاً على ردي على ذلك التنبيه!!!
• وإذا كنت قد أقررت بأنني من كتب تلك المقالات، فهل يعد مجرد إقراري بكتابتها إدانة لي، فيما تعلم اللجنة أن مهمتها ليست التحقق من أنني كاتب تلك المقالات بل إن مهمتها التحقيق معي فيما أنا متهم به من إساءة إلى الجامعة أو تشهير بها، من خلال تبيان اللجنة لمواضع الإساءة والتشهير بها وإفساح المجال أمامي لمناقشتها فيها والرد على اتهاماتها وإسماعها أقوالي بصددها، دفاعاً عن نفسي أمامها، وهو ما لم يحدث قط!
• ليس صحيحاً قول اللجنة إن الإنسان مؤاخذ بإقراره (أنه كتب المقالات)، ولكنه مؤاخذ إما بإقراره ارتكاب الجرم أو المخالفة، أو بإقامة الحجة عليه في سياق توجيه التهمة له وإفساح المجال أمامه لإسماع أقواله والدفاع عن نفسه، وهو ما لم يحدث، البتة!
• أخطأت اللجنة حينما استخدمت لفظة "اقترف"، ذلك أن لفظة "الاقتراف" تستخدم للإشارة إلى- إن لم يكن للتدليل على- ارتكاب جرم أو مخالفة، فإذا كان التحقيق لم يحدث قط، فكيف تستخدم اللجنة لفظة "اقترف"؟!
• إن اعتبار اللجنة أنني خالفت صريح نص المادة 34/أ+ج من نظام الهيئة التدريسية، فهو دليل على عدم فهم اللجنة عملها ودليل على محاولتها اليائسة إلى ليّ عنق النص القانوني، ودليلنا على ذلك يتأتى من إجابة اللجنة عن الأسئلة الآتية: (أ) كيف تثبت اللجنة أنني أسأت إلى مفهوم العدالة في التعامل داخل الجامعة؟! (ب) وكيف تثبت اللجنة أنني أعرض المصلحة العليا للوطن للخطر؟! (ج) وكيف تثبت اللجنة أنني أسأت إلى الجامعة ورسالتها؟! (د) وكيف يمكن للجنة أن تثبت أي شيء دون أن تحقق معي؟!

• كيف للجنة التحقيق التي يرئسها رجل دين أن تقدم نصاً لقانون أدنى على نصوص لشرائع أسمى ولقوانين أعلى، على المستوى المحلي الفلسطيني وعلى مستوى القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟!
• كيف تثبت هذه اللجنة المسيَّرة- لا المسيِّرة- أنني تمردت على العمل ورفضت الأوامر الصادرة إليَّ؟! وكيف تثبت أنني أضررت بالمصلحة العامة؟! وكيف تثبت أنني لم أتظلم إلى رئيسي المباشر ومن علاه ومن علاهما ومن علاهم تدرجاً؟!
• وحول التعميمات التي تتذرع اللجنة بأنني خالفتها، فإنني أقول: إذا كانت اللجنة غير قادرة على استيعاب ما أشرت إليه من حماية إلهية وتوجيه نبوي كريم ونص قانوني فلسطيني ونصوص قانونية دولية، فإنني أطلب من اللجنة إجابة عن السؤال الآتي: هل علمت هذه اللجنة- التي باتت تدعي بأنها عالمة بكل شيء يتصل بأمري مع الجامعة- أن تعميم رئيس الجامعة في 2/1/2012 قد تضمن دعوة من يرغب من العاملين في الكتابة عن الجامعة أن يرسل ما أراد نشره إلى رئيس الجامعة كي ينشره في موقع الجامعة الإلكتروني؟! وهل علمت هذه اللجنة أنني- وعملاً بتعهد رئيس الجامعة في تعميمه- أرسلت له مقالاً بعنوان "ما هكذا يا رئيس الجامعة"، طالباً منه نشره؟! وهل علمت اللجنة أن رئيس الجامعة أبقى المقال حبيس أدراجه، دون نشره لمدة ثلاثة عشر يوماً، فقمت بعد انقضائها بنشره كعادتي؟! ما حكم هذه اللجنة على هذا التصرف من رئيس الجامعة؟!
• أليس في مكنة هذه اللجنة أن تدرك أو أن تستدرك أن تقريرها في خاتمة توصياتها "بأن مجرد واقعة النشر لمثل هذه المقالات والتي تضمنت مثل هذه العبارات من إساءة لسمعة الجامعة..."دليل على رغبة محمومة لديها في إدانتي بأي طريقة؟! إذا كانت مهمة هذه اللجنة أن تحقق معي في الإساءة لسمعة الجامعة والتشهير بها"، فكيف يمكن لهذه اللجنة أن تقول هذا الذي تقوله دون أن تتحقق من حدوث الإساءة والتشهير، دون مناقشتي، ودون سؤالي واستجوابي ودون التحقيق معي وإتاحة الفرصة لي لإسماعها أقوالي، دفاعاً عن نفسي؟!
• إذا كانت اللجنة لم تصدر إدانة لي، بل إنها لم تستخدم لفظة "إدانة" أو "ندين" أو "أدنا" مطلقاً، فكيف يسمح رئيس الجامعة لنفسه أن يبلغني في كتاب أرسله إليَّ بأن اللجنة قد قامت بإدانتي، الأمر الذي بموجبه صارت إحالتي إلى المجلس الجزائي الابتدائي؟! وإذا كانت اللجنة لم تصدر إدانتها لي، فلِمَ كانت إحالتي إلى المجلس الجزائي الابتدائي؟!

أما آخر الكلام، فإذا كان ما ذكرناه من مفاسد تشين لجنة التحقيق المنشأة بقرار فوقي آمر وتعيبها وتجرم عملها، فكيف، إذن، يكون مستوى المفاسد التي يحملها- في السياق ذاته- منشئو هذه اللجنة إذ كان القرار الفوقي التعسفي الآمر بإنشائها؟!

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت