لحظة حب
اختارت مجلة تايم الأمريكية صورة، التقطت لمواطن فلسطيني عند ثلاجة الموتى في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، كأقوى وأفضل صورة في عام 2012، والصورة لمواطن فلسطيني تعرف على أحد شهداء مجزرة عائلة الدلو في حرب إسرائيل الأخيرة على غزة، فأخذ يقبل يد الشهيد بينما انسلت الدموع من عينيه، وهمس قائلاً "مع السلامة"، المصور "بيرنات ارمانجو" الذي التقط الصورة علق عليها قائلاً "كانت لحظة حب مؤلمة حقاً"، السيد بيرنات التقط مئات الصور للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، سواء ما يتعلق منها بصور الشهداء والجرحى والدمار الذي لحق بالمنازل والمنشآت، ويقول انه كان يعمل لمدة 18 ساعة يومياً، وأن الأولوية لديه كانت تتعلق بنقل صورة الحياة في غزة أثناء العدوان، والأهم حسب وجهة نظره أن تنقل الصورة الحكاية كاملة قدر المستطاع بالسرعة الممكنة.
المؤكد أن الصورة باتت هي الأكثر حضوراً في تشكيل الرأي العام، والصورة بات بإمكانها اليوم نقل الجزء الأكبر من الحقيقة إن لم تكن الحقيقة كلها، والصورة في ذات الوقت تبقى محفورة في الذاكرة لفترة زمنية طويلة، لا تتمكن الكلمة مهما علت حجتها في مجاراتها، وكما هو الحال عند مخاطبتنا لأي إنسان علينا أن نختار اللغة التي يفهمها، لا اللغة التي نجيدها، فمهما كانت لغتنا قوية إلا أن قوتها لا يمكن لها أن تصل لمسامع الناس الذين لا يعرفون حروفها وكلماتها، وكذلك الحال مع الصورة، فنحن بحاجة لأن نخاطب العالم الغربي بصورة يفهمها ويتفاعل معها، والإنسان بطبيعته البشرية يتأثر بالنواحي الإنسانية، فيما السياسة وتفاصيلها تبقى ضمن مفهوم وجهات النظر حتى وإن كان الحق فيها بين، وأعتقد أن ذلك يقف وراء اختيار مجلة التايم الأمريكية لتلك الصورة كي تكون هي الأقوى والأفضل في عام 2012.
اذكر أنني كنت في حوار، غاب عنه الجانب الرسمي، مع ممثل دولة أوروبية لدى السلطة الفلسطينية، وكان من المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وعندما سألته لماذا يقف العالم الغربي صامتاً حيال الجرائم التي ترتكبها حكومة الاحتلال بحق شعبنا والتي تحمل الصفات الكاملة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟، كأن سؤالي استفز صديقي الغربي، فعدل من جلسته ليصبح في مواجهتي، وقال لن نختلف على أن سياسة الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرتبطة إلى حد كبير بالسياسة الأمريكية وهذا معيب لنا، لكن الشيء الوحيد القادر على إخراج أوروبا من العباءة الأمريكية فيما يتعلق بذلك هو أن تتصاعد قوة الرأي العام الأوروبي الداعم للقضية الفلسطينية، والذي تحول بشكل ايجابي خلال السنوات الأخيرة، ولكن أنتم لا تفعلون ما يجب فعله، قلت له كيف ذلك؟، قال ببساطة أنتم تتحدثون لنا بلغة لا نفهمها، الرأي العام يتأثر بما يصله عبر وسائل الإعلام، والمواطن الغربي العادي غير مطلع على التفاصيل التاريخية للصراع، ومعرفته به تكاد تقتصر على صورة سريعة تنقلها له تقنية الاتصالات الحديثة، وغالباً تصله منكم الصورة التي لا تخدم كثيراً قضيتكم، وأعطى مثلاً عند استشهاد طفل فلسطيني بنيران جيش الاحتلال، لا تنقل وسائل الإعلام صورة الوداع الأخير لوالدة وأخوة الشهيد له، بل تأتينا صورة تشييع جثمان الشهيد وشباب يطلقون الرصاص في الهواء.
أعتقد بأننا بحاجة لأن نتحدث للعالم بالصورة التي يجيد قراءة مضامينها، والصورة التي تجذبنا ليس بالضرورة أن تفعل الشيء ذاته بالنسبة للمواطن الغربي، ولحظة حب في وداع شهيد قد يكون لها من التأثير على الرأي العام ما لغيرها، فهي تبقى لحظة حب بكل ما فيها من ألم ومعاناة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت