مما لا شك فيه أن فلسطين تعاني اليوم حالة شرسة من العنف ، وهي الأكبر من نوعها منذ اغتصابها ،من خلال هجمات استيطانية "صهيونية " إسرائيلية، مستغلة انشغال العالم كله بالتطورات الحاصلة في المنطقة ، حيث يتصاعد الاستكلاب المتوحش على الاستيطان، وخاصة في مدينة القدس التي تعاني من محاولة خطيرة من التهويد وتغيير معالمها الديمغرافية، والعمرانية ، وإفراغها من سكانها العرب الأصلين عن طريق بناء كتل استيطانية حديثة تحاصرها من كل الجهات لفرض أمر واقع، دون الاهتمام من دول العالم وغياب الضغط العربي الجاد، والشعب العربي المنشغل في عملية التغيير ، فان غياب الضغط الدولي ، وحالة الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني على المناخ العام ، بالإضافة إلى غياب المنظمات الحقوقية والانسانية العربية والدولية عن مراقبة التطورات الفلسطينية وانشغل الجميع بما يسمى بالثورات العربية شجع حكومة الاحتلال أكثر فأكثر ، على عملية االسطو الاستيطانية، والهجمات المنظمة من قبل المستوطنين الصهاينة على العرب في فلسطين .
ان ما يجري على ارض فلسطين في ظل تهرب العرب من واجباتهم الوطنية والاخلاقية تجاه دعم صمود الشعب الفلسطيني بعد ان تجاوزت حكومة الاحتلال كافة الحدود والخطوط، معلنة وبكل وقاحة ان الاستيطان في القدس المحتلة سيستمر ، هذا بكل تأكيد اعلان حرب على الشعب الفلسطيني والامة كلها، وتحد سافر للمجتمع الدولي، ولكافة الدول التي نددت مؤخرا بالاستيطان، مما يتطلب من المجتمع الدولي وقف هذه الممارسات العدوانية كونها تشكل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي.
هذا الاستهتار سببه الرئيس ليست قوة الكيان الاسرائيلي العنصري، وانما دعم الولايات المتحدة الامريكية، والذي تجلى بابشع صوره مؤخرا في رفضها ادانة الاستيطان ورفضها اتخاذ الاجراءات الكفيلة بلجم هذا العدوان الذي يشكل خطرا على السلم العالمي، ومن شأنه ان يدفع بالمنطقة كلها الى انفجار خطير وحرب تلد حروبا، لا احد يعرف متى تنتهي.
ان الهجمة الاستيطانية التي اعلنها العدو والتي تتضمن بناء الاف من الوحدات السكانية الجديدة في القدس المحتلة وكافة المستعمرات المقامة في الضفة الغربية المحتلة، واعلان نتنياهو عن استمرار الاستيطان للسنوات القادمة يؤشر الى الاخطار والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، على يد العدو وعصابات اليمين الفاشي الحاكم، الذي يرفض الاعراف بالدولة الفلسطينية وبحقوق الشعب الفلسطيني ، ويصر على نفي الشعب الفلسطيني من وطنه واعتباره اقلية سقفها الحكم الذاتي، ما يحتم على الدول العربية الخروج من دائرة التنديد والشجب والاستنكار، واتخاذ اجراءات فاعلة للجم هذا العدوان، والذي تحول الى هستيريا تنذر باشعال الحريق في المنطقة كلها.
ان هذه الاخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية تستدعي فتح ملف الصراع العربي- الاسرائيلي، واعادة قراءته بامعان واتخاذ قرارات حاسمة تعيد الصراع الى المربع الاول، بعد ان استغل العدو المفاوضات والمعاهدات وحولها الى حصان طروادة لتكريس الامر الواقع، فتضاعف عدد المستعمرات، وعدد المستوطنين الرعاع، حتى تجاوز نصف مليون مستوطن حاقد.
ان الصمت الطويل والتغاضي وعدم اكتراث العرب عن ممارسات كيان الاحتلال الصهيوني واعماله العدوانية والمعادية للسلام لم يدفعه فقط لتصعيد الاعتداءات القمعية شبه اليومية على الشعب الفلسطيني ورفض أي حلول سلمية، بل دفعه أيضًا إلى إعلان الحرب والتصفية بحق الشعب الفلسطيني.
ومن هنا نتساءل اين قرارات القمم العربية ومجلس وزراء الخارجية في الجامعة ولجنة المتابعة العربية , من شبكة الآمان العربية ودعم صمود الشعب الفلسطيني والقدس ، وهل هناك من قضية قومية عادلة غير قضية فلسطين.
ان على الحكومات العربية ان تفي بوعودها وتخرج من ضغوطات الولايات المتحدة الامريكية وتسعى فعلا الى تنفيذ وعودها للشعب الفلسطيني وقيادته وان تقوم باوسع تغطية اعلامية ودبلوماسية في العالم تسلط فيها الضوء على جريمة الاستيطان وجرائم الاحتلال الاخرى، وعلى الاقل هي مناسبة للدبلوماسية العربية للتوجه الى مجلس الامن الدولي وطلب عقد جلسة طارئة لبحث ما تتعرض له القضية الفلسطينية بعد الاعتراف الاممي بدولة فلسطين كدولة غير عضو, ووضع العالم امام حقيقة الجهة التي تنتهك حقوق الانسان الفلسطيني والشرعية الدولية وتدمر السلام والاستقرار في الشرق الاوسط.
ان أنظمة عربية، كبيرة منها وصغيرة، تقف مع العدو الأول للعرب المتمثل بأمريكا، وهي بذلك تكون مشاركة بكل ما يحدث اليوم في فلسطين ككل، فالنظام الذي يضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته ، هو شريك بلا شك في المخطط الاسرائيلي ـ الأمريكي في تدجين المقاومة في المنطقة والقضاء على القضية الفلسطينية ومحوها من الوجود.
لم يتعظ العرب من كل ما ارتكبته اسرائيل طوال العقود الماضية، ولم يتعظوا من السياسة والاستراتيجية الأمريكية الواضحة والمعلنة، الهادفة إلى إنهاء القضية الفلسطينية من الوجود بكافة الوسائل والطرق، ولايزالون يعتقدون أن ارتباطهم بالولايات المتحدة الأمريكية هو الضمان الوحيد لبقائهم على الحياة.
ان ما يجري اليوم في العالم العربي سيعيد ترتيب الأوضاع الجيوسياسية في المنطقة على عدة مستويات أهمها أنه سيجعل المنطقة العربية والشرق الأوسط كله منطقة نفوذ لواشنطن ولحلف الناتو ولإسرائيل، من خلال تجديد أنظمة الحكم والتحالفات في المنطقة بما سيعزز ويؤمن مصالح القوى الاستعمارية لسنوات قادمة، وهي سيطرة ستؤدي أيضا لتعزيز مكانة الغرب في صراعه الاستراتيجي مع منافسيه وخصومه الدوليين الحاليين والمستقبليين كروسيا والصين وأية قوة اقتصادية أو عسكرية صاعدة، ومع إيران إن ساءت العلاقة بينهم. لو اقتصرت نتائج هذه الإستراتيجية أو المعادلة الجديدة في المنطقة على إسقاط بعض الأنظمة الدكتاتورية التي انتهت صلاحيتها ، ولهذا الأمر وربما وجدنا عذرا لقوى الإسلام السياسي في التنسيق مع واشنطن، إلا أن الخطورة أن هذه الإستراتيجية تستهدف القوى الوطنية والقومية والديمقراطية الحقيقية وتستهدف المشروع الوطني الفلسطيني سواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر.
نحن اول من رحبنا بحراك الشعوب العربية التي قامت بالثورة فإن سقوط الحكام المستبدين لم يكن فقط بفعل الحراك الشعبي بل نتيجة دخول أطراف أخرى على خط الثورة ، بهدف السطو عليها أطراف تلاقت مصالحها لتوجيه الأمور ضمن معادلة جديدة يتم تخريجها وكأنها انتصار للثورات العربية.
مما لا شك فيه أن ما يسمى (الربيع العربي) سيكون مختلفا عما كان عليه سابقا ،والشعوب العربية هي المعنية بتقييم والحكم على هذا التغيير سلبا أو إيجابا ،كما أنها صاحبة الحق في اختيار نظامها السياسي وتوجهاته السياسية والأيديولوجية ،ونحن مع إرادة الشعوب العربية ، ما يعنينا كفلسطينيين أن لا ندفع ثمن الصراع على السلطة وعلى تقاسم النفوذ في العالم العربي ،ما يعنينا كان واضحا هو سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية حرصا على القضية الفلسطينية وحفاظا على المشروع الوطني الفلسطيني وبحقنا في دولة مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وليس امارة اسلامية .
وامام ذلك نرى زمن ما يسمى بالربيع العربي تزايد النفوذ الأمريكي الاستعماري في المنطقة العربية بحيث لم تعد ولو دولة واحدة خارج إطار هذا النفوذ وهي تعيش على بركان الدم والفوضى الخلاقة ، وأنه في زمن ما يسمى بالربيع العربي يتهرب العرب من واجباتهم امام اقدس القضايا القضية الفلسطينية ، ويتصاعد الاستيطان الإسرائيلي والتهويد في الضفة والقدس وتدنيس المقدسات بشكل غير مسبوق ،كما يزداد الوضع المالي والاقتصادي تدهورا ،بل حتى الجهود العربية لإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام توقفت.
وامام من تقدم لا بد من القول ان المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وإنهاء الانقسام الداخلي ، والتخلص من سيطرة الدول الإقليمية، اصبحت هي الخطوة الأساسية والصحيحة في العودة إلى الصدارة، وذلك من خلال تعزيز وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية ، ورسم إستراتيجية واضحة في مقاومة الاحتلال الصهيوني واستيطانه الاستعماري .
ختاما : ان تحصين البيت الفلسطيني الداخلي هو الرد الفعلي والحقيقي على انهاء الهجمة الصهيونية والاستيطانية، وهذا يتطلب إعادة الاعتبار لعملية التعبئة السياسية والإعلامية الكاملة للرأي العام العالمي، بأهمية القضية الفلسطينية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت