هناك فوق أطلال المخيم تستحضر اللحظة الفاصلة بين الدمار والخراب القادم ، لأجل مشاهدة موسم الكرنفال الأنساني في ليلة رأس السنة المشعّ بالأضواء البراقــــــة في عتمة الليل الحالك بالســـواد كأنها صحوة الموت تنادي رؤية المشهد البديع الملوّن بألوان قوس قزح المســــتقرّ على مسافة أمنـة من سماء المخيم الذي اضحى ميدان لانفجارات الرعب والحقد الدفين دون ســابق انذار ، هي ضريبة اللا مقابل الصامت بلا هوية أو عنوان ، قرابين الحياد بين القاتل والقتيل رغم الأعلان المدّوي عن النأي بالنفس عما يجري كما تقتضي قوانين الحروب التي تستثني الأبرياء ، لكن حملات المغول الجدد لاتكترث للقوانين، ثمة من يقول أن لكل حرب وقودها من الضحايا الأبرياء ، هي نفس المعادلة ذاتها القديمة الجديدة منذ صناعة الأســـطورة التي أباحت دم الأغيار للبحث عن الخرافة حتى ضاع المعنى في متاهــــة اللا شيء ، نحو رحلة المجهول على أرصفة الأوطان ، ضيوف ثقيلة الظــلّ غير مرغوب فيها لأسباب كثيرة وفق اهواء الأخرين .... أم علي تستغيث عبر الأثير بصوت متهالك تتمنى رغيف خبز يسكت جوع أولادها وحبّة دواء يسكّن أنين الألم الذي يهاجم المكان من حيث لايحتسب أحد ، بينما لاتجد من مغيث بسبب قلّة الحيلة وانعدام الوســـيلة ، في ظل انشغال العالم الذي يكتفي بانعقاد المؤ تمرات والتقاط الصور التذكارية والبحث عن حلول لم يحن وقتها بعد، لكنّها تستدرك هول المشهد الحزين ، تأبى الرغيف المعجون بدم الأطفال وهم يصطفّون طوابير الجندية الألزامية لساعات طوال أمام أفران الهولوكست القادمة، ترددّ القول المأثور ، تمــوت الحرّ ولا تأكل ثدييها ...لسنا أفضل حالا من أطفال فلسطين الذين امتزجت دماؤهم تحت انقاض المباني مع تراب الارض دون أن يحرك مشاعر العالم المتبلّد تجاه الشعوب المصنّفة من الدرجة الثالثة ..
يصدح المنادي عبر مكبرات الصوت يجــوب أزقّة المخيم ، اخلوا المكان وافســـحوا المجال كي لا تفســدوا الخطط العسكرية لتحرير المخيم من ســاكنيه ، خذوا معكم من استجار بكم الى الســـاحات والشوارع الى أي مكان لايرحّب بوجودكم خشية اختلال التوازن الطائفي حسب مزاعم جماعة الجنرال الهارب فيما مضى الى السفارة الفرنسية بحثا عن سلامة رأســــه ، يالها من مفارقة ، ما أشبه اليوم بالبارحة تعدد الطغاة والأسلوب واحد لافرق بينهم عند تعلق الأمر بالضحايا رواد مخيمات اللجوء الأزلي بغض النظر عن خاصيّة المكان ، في بلاد الرافدين كان المخيم غنيمة القوى الطائفية القادمه عبر الحدود لم يتركوا شيئا الا واستباحوه ثم قتلوا الفلسطيني لا لشيء سوى انه لاجيء ينتظر أن يعدل الميزان الدولي حتى يعود الى ارضه ودياره التي شرّد منها عنوة على ايدي الارهاب الصهيوني.
ساعات الانتظار الطويلة على الحدود كانت قاسية على شعب لايزال يعاني واقع التهجير ،جاؤوا يحتمون بمخيمات أشقائهم في لبنان والاردن ،بات هؤلاء اللاجئين يحلمون بالعودة الى مخيماتهم في سوريا بعد أن كان حلمهم بالعودة الى بلادهم فلسطين . فهذا الشعب اعتاد أن يعيش الأمرين في الداخل وفي الشتات .
ختاما : يمكن القول إن الأمل سيظل معقودا على مواصلة الجهود والضغوط على مختلف الأطراف لتمكين الفلسطينيين من العودة إلى مخيمهم، وإن هؤلاء سيظلون مع حلمهم وأملهم بالخروج منه لكن إلى فلسطين، وهذا هو معنى حق العودة.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت