السرايا
بقدر ما نثرت الدورات السابقة للمجلس الثوري لحركة فتح مفردات الإحباط على المشاركين فيها، بقدر ما حملت الدورة الأخيرة بذور تفاؤل تقود لغد أفضل، ودون الخوض بالتفاصيل يكفي أن نقول أن اللغة هذه المرة مختلفة وتمحورت في غالبيتها حول الشأن الداخلي، والأهم أن الجميع كان يمتلك قراءة دقيقة للواقع دون تجميله بإنجازات هامشية، ولعل هذا ما جاء بمداخلة الخلية القيادية الأولى للحركة "اللجنة المركزية"، وهو الذي دفعها لتلتئم قبل بدء دورة المجلس الثوري مباشرة ليكون الوضع الداخلي للحركة فقط على أجندة اجتماعها، وإن كانت اللجنة المركزية خرجت من اجتماعها بمجموعة قرارات لتصحيح الوضع الداخلي للحركة، فإن ما نتج عن اجتماع المجلس الثوري من قرارات جعل من معالجة الوضع الداخلي للحركة ضمن رؤية محددة أمراً حتمياً يستوجب الشروع في تنفيذه ضمن برنامج زمني محدد.
عدنا أدراجنا إلى قطاع غزة حاملين هذا القدر من التفاؤل، عند حاجز بيت حانون لم تكن إجراءات العودة بتعقيدات إجراءات الخروج، وعند المحطة الفلسطينية تم إجراءات تسجيل الدخول دون تباطؤ، وخضعت الأمتعة لتفتيش روتيني سريع، وكان من ضمنها مجموعة من "الرايات" الخاصة بحركة فتح مهداة من أسرة الأسير القائد مروان البرغوثي إلى أبناء قطاع غزة بمناسبة الانطلاقة، قال الشاب وهي بين يديه أنتم تحتفلون بانطلاقتكم ومؤكد أنكم بحاجة لذلك في احتفالاتكم، ما يجب أن نقوله أن هذه اللغة مغايرة بالمطلق لما كانت عليه خلال سنوات الانقسام، فكثيراً ما عانى أبناء الحركة من مجرد اقتناء الراية أو رفعها على سطح منزله.
الليلة الأخيرة من العام، ساعات قليلة تفصلنا عن بدء العام الجديد، وعام جديد يضاف إلى عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة، الآلاف من أبناء حركة فتح يحتشدون في السرايا وسط مدينة غزة، ومعهم قيادات من غالبية الفصائل الفلسطينية، الجميع جاء يحتفل بإيقاد الشعلة في الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة فتح، مشهد غاب قصراً عن قطاع غزة لسنوات، المشهد بالحشد الجماهيري لا يمكن مقارنته مع مثل هذه المناسبة منذ قدوم السلطة الفلسطينية، والأمر لم يقتصر على السرايا في مدينة غزة، بل امتد المشهد ذاته في كافة محافظات قطاع غزة، الفرحة بالاحتفال والمشاركة فيه خطتها أجيال مختلفة في لوحة وطنية جميلة، غصت السرايا ومعها مراكز المحافظات الأخرى بجماهير جاءت من كل حدب وصوب، حركتها طاقة تراكمت عبر السنوات السابقة، لم تكن الجماهير بحاجة لأدوات الدعم "اللوجستيكي" المتعارف عليها، ولا لأدوات التواصل التي عهدناها سابقاً في مثل هذه المناسبات، حيث متابعة كل مستجد متعلق باحتفالية الانطلاقة كان المهيمن على حديث العامة خلال الأسابيع الماضية، خاصة بعد أن تمكنت حركة حماس من الاحتفال بانطلاقتها في محافظات الضفة الغربية دون معوق يذكر وبمشاركة من حركة فتح.
قوة حركة فتح تكمن بالمقام الأول في اتساع جماهيريتها، وسر ذلك تجده حتى لدى الأجيال الشابة التي لم تواكب القامات العالية من قيادات الحركة، لكنها استمدت عنفوانها من عطاء لا ينضب على مدار العقود السابقة، تجسدت بألوانها في سيرة قائد محفور في قلوب وعقول شعبه، غاب عنه جسداً وبقيت ذكراه شعلة تنير لشعبنا طريق العزة والكرامة.
هذه الاحتفالات تشيع أجواء التفاؤل لدي الشعب الفلسطيني بأننا ماضون نحو المصالحة وطي صفحة الانقسام، وأعقد أن احتفال حركة فتح في قطاع غزة بانطلاقتها يعزز هذا التفاؤل ويسرع من خطوات المصالحة التي تعثرت على مدار سنوات الانقسام، الحشد الجماهيري الكبير المتوقع في الاحتفال المركزي لانطلاقة حركة فتح على أرض السرايا وسط مدينة غزة يوم الجمعة القادم يجب أن يشكل، مع الحشد الجماهيري لحماس في انطلاقتها على أرض الكتيبة، قوة دفع لكافة الأطراف لإنهاء الانقسام والبدء في تنفيذ بنود المصالحة المتفق عليها دون تأخير، على قاعدة الشراكة السياسية المستندة على القواسم المشتركة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت