تفاجأت وفجعت صباح هذا اليوم الجمعة الرابع من يناير , وبينما كنت أتابع كغيري من الفتحاويين أخبار المهرجان المركزي لحركة فتح الذي سيقام ظهر هذا اليوم في ساحة السرايا وسط مدينة غزة , أن هذه الساحة شهدت ليلة أمس رحيل أحد أبناء الرعيل الأول من أبناء حركة فتح " أبو العبد خطاب " , الذي فاجأته ذبحة صدرية أوقفت قلبه المحب لفتح ولفلسطين ولغزة , غزة التي أحبها ورفض أن يغادرها إلى الضفة الغربية , بعد خروج القيادة الفلسطينية , إثر الانقسام الأسود في صيف عام 2007 , أحب غزة مثلما أحب صفد التي هجر منها عام 1948 , ليصبح لاجئا في مخيم اليرموك في سوريا , وبعد الهجرة بعشر سنوات يلتحق الشاب الرياضي بالكلية الحربية بدمشق , ثم يكمل تعليمه العسكري في الأكاديمية العسكرية في بالقاهرة , ليتخرج ضابطا يافعا , يحلم بالقتال إلى جانب الجيوش العربية لتحرير فلسطين , ثم يعود الضابط أبو العبد إلى دمشق وينخرط في الجيش العربي السوري , سوريا التي شهدت في السنوات الأولى من عقد الستينات الصراع على الكراسي بانقلابات متتالية , كان أهمها انقلاب الانفصال عن الوحدة المصرية – السورية , ويشارك أبو العبد في انقلاب حدث عام 1963 , ليصبح بعدها مطاردا , ثم يتمكن من الخروج من سوريا والوصول إلى القاهرة , حيث يتم منحه اللجوء السياسي في عهد الرئيس جمال عبد الناصر , وقد اختار أبو العبد مصر مقرا له , لأنه كان رجلا قوميا , يعتز بقادة عبد الناصر للقومية العربية , وبعد عامين تنطلق حركة " فتح " في الفاتح من يناير 1965 , والتي رحل أبو العبد في يوم ذكرى انطلاقتها الــ 48 , حيث كان يمني نفسه حضور مهرجانها في غزة , لكن الموت سبقه ليرقي شهيدا على الأرض التي أحبها .
ولأن " فتح " حركة الشعب الفلسطيني , انضم أبو العبد للحركة في القاهرة منذ انطلاقتها على يد الشهيد القائد أبو الهول , الذي كان مسؤول التنظيم الحركي في مصر , وبعد حرب حزيران ( يونيو ) 1967 , انتقل أبو العبد للعمل العسكري للعمل في قواعد الثورة الفلسطينية في الأردن ولبنان , وشارك أبو العبد في جميع معارك فتح والثورة الفلسطينية , من معركة الكرامة في غور الأردن في شهر آذار عام 1968, وحتى الاجتياح الاسرائيلي للبنان في صيف عام 1982 , حيث كان مرافقا وملازما للرئيس الراحل ياسر عرفات , حيث أصبح عضوا في المجلس العسكري الأعلى لقوات الثورة الفلسطينية , وعضوا في المجلس الثوري لحركة فتح.
وبعد خروج قوات الثورة من بيروت , عاد أبو العبد مع الرئيس عرفات لطرابلس بشمال لبنان لبناء قواعد الثورة مرة أخرى , ويخوض أبو العبد إلى جانب أبناء فتح بقيادة ابو عمار معارك البقاء , بعد أن شنت القوات السورية , والمارقين من أبناء الشعب الفلسطيني في جبهة الخيانة من أزلام النظام السوري في الجبهة الشعبية القيادة العامة بقيادة العميل أحمد جبريل , والمنشقين عن حركة فتح , لكن ميزان القوى المختل لصالح النظام السوري , ادى لخروج قوات الثورة الفلسطينية من طرابلس ومخيماتها في نهر البارد والبدواي , حفاظا على أرواح أبناء شعبنا , لتتوزع قوات الثورة في عدد من الدول العربية , ويكون نصيب أبو العبد خطاب قيادة قوات الثورة الفلسطينية في اليمن , ثم يلتحق بقائده أبو عمار في تونس , لغاية عودته إلى غزة في العام 1995 , ويظل أبو العبد ملازما للرئيس ابو عمار حتى رحيل القائد الرمز بعد محاصرته في مقر المقاطعة برام , واغتياله مسموما في العام 2004.
فضل أبو العبد خطاب عدم العمل في صفوف قوات الأمن الفلسطينية بعد رحيل أبو عمار , وبعد أن أقر قانون التقاعد , آثر أبو العبد أخذ استراحة المحارب , ضمن قائمة الرعيل الأول من المتقاعدين العسكريين في العام 2005 , والتي أصبح أمين سرها فيما بعد.
كان أبو العبد خطاب مقاتلا شرسا شارك في جميع معارك الثورة الفلسطينية , وكان مدربا كفؤا من أكفأ ضباط التدريب , وذلك أهله أن يكون مدير مدرسة القتال في بئر العبد في بيروت , وهي المدرسة التي تحولت فيما بعد للأكاديمية العسكرية الفلسطينية , وقد كنت أحد الضباط الذين تدربوا على يد أبو العبد في مدرسة القتال في بيروت عام 1981 , في تجمع لدورة الضباط المتوجهين لدورة أركان في فيتنام ذلك العام , كان قائدا حازما , ولكنه كان رفيقا وصديقا لجميع الضباط في الدورة , كان مرحا متفائلا , يحفظ الترات الفلسطيني بالأغاني والمواويل والأهازيج الشعبية الفولكلورية الفلسطينية , كان يجيد الدبكة الفلسطينية بكل كفاءة, وكم سعدنا في لبنان وغزة بمشاركته الغناء والدبكة والفرح في مناسباتها الفلسطينية , وكنا نتمنى في هذا اليوم أن نشارك معه في رقصة شعبية فلسطينية وسط ساحة السرايا , على أنغام فرقة العاشقين الفلسطينية , لكنه القدر , الذي افقدنا الفرح في هذا اليوم , بفقدان رجل الفرح والمرح , الذي ربما توقف قلبه فرحا بما يرى من فرحة الناس في غزة في ذكرى فتح , أو توقف القلب الحزين حزنا على ما يجرى في مخيم اليرموك بدمشق من قتل وتدمير لأهله وشعبه هناك , فلم يحتمل القلب الكبير ما يجرى هناك من ظلم من ذوي القربى .
قبل يومين كنت أجلس مع أبو العبد في هيئة المتقاعدين , مع رفاق الدرب من كبار الضباط من أبناء الرعيل الأول للحركة , كان الجميع يتحدث عن المشاركة في مهرجان فتح في هذا اليوم , لكن أبو العبد سيغيب هذه المرة , ولن يكون إلى جانبنا في هذا اليوم الجميل الحزين , وهو الذي كان يقف دائما إلى جانب زملائه ورفاقه , يعزي في الشهداء , ويزور المرضى من هؤلاء الضباط الكبار , الذين هاجمتهم الأمراض في آخر عمرهم وفي شيخوختهم , بعد أن خاضوا معارك الثورة لمدة تزيد عن الأربعين عاما , وهنا أذكر للأخ الراحل أبو العبد خطاب زيارته لمنزلي العام الماضي , برفقة عدد من الأخوة في هيئة المتقاعدين , حيث أقعدني المرض عن الذهاب إلى مقر الهيئة لعدة أشهر , وسمعت منه التشجيع والمؤازرة لمقاومة المرض اللعين , وعندما عدت من المستشفى معافى كان من أول المهنئين لي بالسلامة إلى جانب الزملاء والأصدقاء ورفاق الدرب .
رحم الله أبو العبد خطاب , شهيدا لفلسطين على درب التحرير , وهنيئا لتراب غزة الذي يحتضن الجسد الطاهر , وسلام على روحك ونحن نودعك في يوم فتح على أرض غزة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت