ملاحظات على مهرجان حركة فتح

بقلم: مصطفى إبراهيم


فلسطين لم تغب يوما من ذاكرة الناس في غزة بمخيماتها وحواريها، وفرحها وحزنها، هي لن تكون بديلا عن فلسطين، غزة هي مدينة فلسطينية، وهي دائما من تصنع الحدث، ولم تكتف بالتذكير بان فلسطين محتلة والقدس تهود والاستيطان ينهش ارضها، بل هي من تقاوم و تدافع عن التاريخ والهوية والحرية بالمقاومة والاحتفال.

في غزة المحاصرة ذاكرة الناس حية وشاهدة على خمس سنوات ونصف من الظلم والقيود على الحريات والقمع والاعتقال والإقصاء، في ذكرى انطلاقة حركة فتح لم ينسى الناس مآسي الانقسام، تحدثوا عن كل تفاصيله، وما مر بهم خلال السنوات الماضية، لكن قدرتهم على التمسك بعلاقات وطنية وحدوية والتسامح والتعالي على الجراح كانت سيدة الموقف اليوم.

خمس سنوات ونصف من الاقصاء والتغييب والاستفراد والظلم لن تستطيع تقييد حرية شعب يريد الانتصار للفرح والأمل بالمستقبل، جنون الحرية مستمر منذ اربع ايام في ساحة الشهيد ياسر عرفات في مدينة غزة، وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني هو شعار مهرجان انطلاقة حركة فتح والثورة الفلسطينية.

غزة أعلنت تمردها على الخطابات الفئوية والشعارات الرنانة، فالاحتفال هو احتفال بانطلاقة الثورة الفلسطينية، وهي لن تباهي احد بحشودها التي لم تعد وتحصى ليتم اختزالها بمجرد ارقام، خرجت للحرية والوحدة وإحياء ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.

غزة الفقيرة والمظلومة من ذوي القربى الذين تذكروا غزة بفرحها رقصوا اليوم مع فرحها وعليه، و هم من ظلموا عشرات الالاف من ابنائها الذين احتفلوا بانطلاقة الثورة بقطع رواتبهم، غزة تثبت لهم جرم خطاياهم بحقها وبحق ابنائها من التهميش والإقصاء والاتهام بالخوف، تعريهم وتعري تهميشهم لها.

الاحتفال لم يكن فتحاوياً بامتياز، كان احتفالا وطنيا بامتياز، من اجل إنهاء الانقسام، والديمقراطية و التعددية والتداول على السلطة، واستمراراً لمناخ الحرية السائد وإعادة اللحمة للنظام السياسي الفلسطيني، وإعادة الاعتبار والروح لحركة فتح وتضميد جسدها المثخن بالجراح، والخروج من حال الترهل والتبلد والانقسام الداخلي فيها.

فتح غزة أحرجت قيادتها وتنظيمها الغائب والممزق، وغصة في حلوق اعضائها والمخلصين على مستقبلها لسان حالهم يقول بان قيادة الحركة لم تلتقط الفرصة، ولم تكن بمستوى الحدث واثبت عجزها مرة اخرى على عدم قدرتها على تحمل مسؤولياتها التنظيمية و الوطنية.
حركة فتح في غزة كسرت حاجز الخوف والرهبة من سطوة حركة حماس وحال الإحباط و الترهل والضعف الذي اصاب جسد الحركة، وهي بحاجة الى قيادة وتنظيم قوي يستطيع ان ينهض بها لاستعادة عافيتها.

ومنهم من شعر بإهانة و يتساءل هل هذه هي قيادة فتح، وهل لا يوجد قيادات في غزة ليتم استجلاب قيادة لهم من الضفة للتعبير عنهم والتحدث باسمهم، وتعمل كوسيط بينهم وبين حركة حماس؟

فحركة فتح بحاجة الي قيادة وتنظيم وعلم وبرنامج سياسي يعبر عن امال وأحلام الفلسطينيين، ويشكل بديل عن هذا العبث خاصة موقف الرئيس التفاوضي وإصراره على التمسك بموقفه.

فالرئيس لم يقدم شيئ في خطابه و كان باهتاً وغير معبر عن الحدث والحشود الكبيرة التي كانت تنتظر منه الجديد، وخاب املها من الخطاب ومخاطبتها عن ازمة فتح وأزمة المشروع الوطني، واتخاذ خطوات سريعة وجدية لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، فالرئيس كان مرتبك وفوجئ كغيره، ولم يكن مستعد، وكأنه لم يكن ينتظر هذه الحشود.

حركة فتح خاصة الرئيس عباس عليه التقاط هذه الفرصة من اعادة الروح للحركة وإعادة تجميع اوراقها الممزقة، والبدء بورشة حقيقية داخلها للنهوض بها، وعلى ابنائها وقيادتها تغليب المصلحة الوطنية على مصالحهم الخاصة من اجل الوطن.

مهرجان الانطلاقة كان عفوياً، ولا يحسب حضور هذه الحشود لتنظيم حركة فتح في غزة فالناس خرجت للاحتفال، و قدرات التنظيم متواضعة والجماهير متنوعة من فتح والكل الوطني، وما حدثت به من فوضى عارمة، وساده سوء التنظيم وتم الغاء فعالياته، وربما هذا جزء من تركيبة حركة فتح المغيبة والضعيفة، فهذا بسبب عدم وجود تنظيم قوي يجمع عليه الكل الفتحاوي ومستقر يلزم اعضاءه ويحاسبهم على اخطائهم.

وعلى الرغم من كل ذلك إلا ان حركة فتح باقية في نفوس الناس، ولا يستطيع احد تغييبها او اقصائها، ولن يستطيع اياً من كان تغييب الاخر، فالشعب الفلسطيني متنوع ومختلف، وينتمي لأحزاب وفصائل، وما يميزه انه شعب حر يأبى الظلم والقهر، ولا يقبل ان تهان كرامته وان طال الزمن.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت