قراءتي لمهرجان فتح : الانتحار الجماعي مرفوض

بقلم: طلال الشريف


لا أنكر قناعتي بمناوأة ورفض حكم حماس مبكرا وقد عبرت عن ذلك خمس سنوات حين كان يخشى انتهازيو الكلمة من الكتاب وباعة الكلام ممن يسمون انفسهم محللين سياسيين وتلك المؤسسات الأهلية والحقوقية التي أثرى متنفذوها على حساب دم وحقوق شعبنا وانحازوا لكل سلطان جديد وتلك الصحف والمواقع الصفراء التي غلبت عليها أجندات الداعمين المضللة لشعبنا وأولئك القادة الفاشلين الفاسدين الراكبين لمواقف الاحتماء في زمن السلامة هروبا من تجبر الحكام وصناديق أموالهم وأجهزتهم الأمنية .. لم أكن عنترة ولكن كانت لي قناعة بأن العاملين في العمل العام والقضية العامة لا يمكن ولا يجوز أن يكونوا جبناء حين يتعلق الأمر بمستقبل الشعب والقضية وألا يكونوا فاسدين يمارسون الخلاص الفردي حين يقول العقل " إن خلاصنا جماعي " .
عارضت أبو مازن بشدة حين قسم فتح لإدراكي وقناعتي بأنه يضر القضية الوطنية والشعب الفلسطيني حين أخضع مستقبل فتح والقضية الوطنية لقضاياه وخلافاته الخاصة.
تحدثت عن قضايا المال العام وطالبت بالتحقيق حين صمت الجميع وخشي على مصالحه وحين تقاعست الفصائل جميعها عن تبني قضية صندوق الاستثمار التي كان واجبا عليها التصدي بقوة لمثل هكذا قضايا تخص المال العام وهل لهم قضايا أهم من ذلك؟ .. لم أكن عنترة ولكن كانت ولازالت لي وجهة نظر وقناعة أدافع عنها وليس لي مآرب وليس لدي ما أخاف عليه إلا مستقبل شعبنا قضيتنا.
تحدثت عن فساد ال NGOs وتحدثت عن فشل وفساد وجهل الخارطة السياسية الفلسطينية بمجملها في ادارة الصراع مع اسرائيل وهزلهم في التعاطي مع قضايا الأمة ما أوصلنا للتراجع الخطير الذي نعيشه ليرسم كل منهم صورة مكبرة للذات كما يرغبوا وليس كما يرغب ويريد شعبنا ومزاحمتهم صور أخرى أكثر فشلا للظهور في المشهد الفلسطيني بأي ثمن حتى لو كان الثمن القضية الوطنية فكانت كل الصور عابسة مكابرة لم تستطع رسم ابتسامة على وجه طفل فلسطيني مذبوح يحلم بمستقبل سعيد .. لم أكن عنترة ولكني أردت أن يقول كل فلسطيني في كل زمن وكل ظرف ما يقتنع به حقيقة وما يدركه لو كان قادرا على العطاء لقراءة شعبنا في كل منعطف وليس قراءة الذات ولهذا سأقول قراءتي لما جرى لمهرجان فتح ودون ماكياج ودون اجتذاب وتقليب النار لرغيفي .
أمس الجمعة 4/1/2013م خرجت من المستشفى الأهلي لأرى جموع القادمين للاحتفال بمهرجان فتح ووقفت في ساحة فلسطين عند العاشرة صباحا ألاحظ بدهشة هذا الشعب العظيم شباب وشيبان وأطفال ونساء وهم يتحركون كقطار وصل رأسه إلى تقاطع السامر ولم ينته حتى شارع فهمي بك وشارع الوحدة من اليمين للقادمين من الدرج والتفاح والشجاعية وشمال غزة ومن اليسار من شارع مقبرة عسقولة القادمين من الوسطى والجنوب حيث التقاء قطارين بشريين فلسطينيين في مشهد صامت ومهيب حاملين الرايات والأعلام الفلسطينية والفتحاوية وهو نفس الآلاف والقطارات البشرية التي كانت تلتقي في السرايا من شارع الثلاثيني جنوبا وشارع الجلاء شمالا وشارع عمر المختار من الغرب.
هنا أقول إن كانت مليونية أو أكثر أو أقل فهذا جيد وإن كان بين الجموع أغلبية لدحلان أو لفتح فهذا جيد وإن كان ذلك تعبيرا عن عرس وطني أو عرس فتحاوي فهذا جيد وإن كان هذا الجمع معارض لحماس أو لحكم حماس فهذا جيد وإن قالت اسرائيل أن الحشد والتأييد الكبير الذي حظيت به حركة فتح اليوم في غزة أدهش الأوساط الأمنية في إسرائيل فهذا جيد وإن قالت الجبهة الشعبية أنه كان الحشد الأكبر والأضخم الذي تحتضنه غزة في التاريخ أو كما قالت الجهاد الاسلامي أنها لا تنكر شعبية حركة فتح وعلى الجميع احترام بعضهم لأجل المصلحة الوطنية العليا وإن قالت حماس أنها فوجئت من حجم الجماهير وعليها تشكيل حكومة توافق وطني وإجراء انتخابات وهي حق مستحق للشعب وما بعثته هذه الجماهير من رسائل داخلية وعربية وإقليمية ودولية فهذا كله جيد .

هذه النتائج وهذه الرسائل حيدة ولكن ما الحقيقة في اندفاع الناس والجمهور المهول للشارع لنعرف الحقيقة والاتجاه ولذلك نقول:
ما يقارب الست سنوات وثلاثة حروب في جعبة هذا الشعب بدأت بحرب الانقلاب والانقسام وحربين اسرائيليتين سموها ما شئتم رصاص مصبوب أو فرقان وعامود سحاب أو حجارة سجيل ليس مهما ونضيف عليها التحسب من عقاب السلطة والشعب بعد الدولة المراقب والتحسب من حرب انتقامية جديدة لنتنياهو بعد ضرب تل أبيب وعدم حدوث المصالحة وغياب الفعل والدعم العربي ونزاعات وحروب المنطقة وتغيرات الربيع لتشكيل شرق أوسط جديد. كل هذا هو يطبخ في العقل الباطن للمواطن الغزي ومعه كل الفلسطينيين وقلقهم من المستقبل أينما وجدوا وغياب قيادة حقيقية لهذا الشعب تطمئنه وتحل مشاكله وتخفف معاناته وتأخذ بيده للمستقبل الآمن، كان شعب غزة هو سباق في التعبير عن الحالة الفلسطينية القلقة فاغتنم فرصة استرخاء أمنية سانحة للتعبير فاندفع وخرج للشارع ليقول مللناكم نريد سلاما اجتماعيا أولا ، وكفى حروبا نريد سلاما ولا نريد حروبا جديدة ثانيا ، ونريد قيادة على مستوى تحدي المستقبل بعد أن فقدنا ثقتنا بحكمكم في غزة ورام الله وفاقمتم معاناتنا.
فهل سمع حكام غزة وحكام رام الله ما قاله شعب غزة ؟ أم مازالوا يحسبون الاعداد من المؤيدين لديهم ليستمروا في غيهم وأخطائهم بحق شعبهم ؟ أم أن لديهم كلام آخر؟ لاستخدام جبروتهم في وجه هذا الشعب العظيم ليدفعونه في القريب للثورة عليهم وإسقاطهم فهو قد قال لقياداته الهزيلة كلمته الأخيرة بأن ظهره للحائط وأن الانتحار الجماعي مرفوض.
5/1/ 2013م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت