الأعياد المسيحية وفق المصادر الإسلامية

بقلم: د.عبد الحميد جمال الفراني


يحتفل أهل الذمة بأعياد كثيرة، كانت تزيد عن أعياد المسلمين بشكل متطرد، فُذكر أن للنصارى سبعة أعياد كبار، وسبعة أعياد صغار، وقد لخصها الرحالة والجغرافي المقدسي بقوله: " ومن أعياد النصارى التي يتعارفها المسلمون: الفصح، والعنصرة، والميلاد، وعيد بربارة، وعيد الصليب، وعيد لُد ".
وأول تلك الأعياد الكبار عيد الميلاد أو البشارة، ويُقصد به بشارة جبريل عليه السلام للسيدة مريم بميلاد عيسى، ويُحدد موعده في الفترة من 25 مارس إلى 25 ديسمبر، وهو وقت ميلاد عيسى عليه السلام، ويُقال: إنه ولد يوم الاثنين؛ ولذا فإنهم يجعلون عشية الأحد ليلة الميلاد، ويوقدون المصابيح بالكنائس ويزينوها، ويوافق ذلك اليوم الخامس والعشرين من شهر ديسمبر، وكانت بيت لحم في يوم عيد الميلاد أهم المدن التي يُحج إليها المسيحيون من أقطار العالم.
والعيد الثاني هو عيد الزيتون، أو أحد السعف، أو أحد الشعانين، ويُحتفل به في ذكرى دخول السيد المسيح عليه السلام إلى القدس، حيث نثر على طريقه سعف النخيل، ويسبق عيد الفصح، أما عن طريقة الاحتفال بذلك العيد: فقد جرت العادة عند النصارى في القدس في كل عام بتزيين الكنائس بأغصان الزيتون، وقلوب النخيل، ويفرق منها الناس على سبيل التبرك، ويقوموا " بحمل شجرة من شجر الزيتون في عيد الشعانين من الكنيسة التي بالعازرية إلى كنيسة القيامة، وبينهما مسافة بعيدة، وأن يشق بها شوارع المدينة بالقراءة والصلوات حاملين الصليب "، ومرتدين الملابس البيضاء، وكان الموعد المحدد له في الثاني والأربعين من الصوم، أي في سابع أحد لصومهم.
أما العيد الثالث فهو عيد الفصح، ويٌعد العيد الكبير عندهم ، يفطرون فيه، ويزعمون أن المسيح عليه السلام قام فيه بعد الصلب بثلاثة أيام، وأقام في الأرض أربعين يوماً، وكان آخرها يوم الخميس، ثم صعد إلى السماء، و يُقال: إنه اجتمع مع حواريه، وتناول الأطعمة معهم، ويُطلق عليه أيضاً عيد القيامة، ويقع ذلك العيد في الرابع عشر من شهر أبريل ( نيسان) حتى قرب نهاية القرن الثاني الميلادي؛ ولكن في مجمع نيقية المسكوني سنة (325م) تقرر أن يكون عيد القيامة، وعيد الفصح في يوم الأحد التالي لليوم الرابع عشر من هلال أبريل (نيسان)، الذي يقع في وقت الاعتدال الربيعي، وظل المسيحيون في أنحاء العالم يُعيدون معاً في ذلك اليوم حتى عام (1268هـ/1852م)، حيث حدث الاختلاف نتيجة لاختلاف خطوط الطول بين الشرق والغرب)، ومن مظاهر الاحتفال بهذا العيد أن مدته كانت ستة أيام أولها: يبدأ يوم الخميس، وآخرها: يوم الثلاثاء سادس الفصح؛ تتزين فيه النساء، وتلبس الملابس الفاخرة، ويصبغون فيه البيض، ويعملون فيه الأقراص، والكعك، ويشارك في تلك المظاهر المسلمون إلى جانب من النصارى، ويركبون في المراكب وتغني النساء، وترقص كما الرجال على الشطوط.
وقد وصف المسعودي أعياد النصارى في فلسطين، ومنها عيد كنيسة القمامة (القيامة)، حيث " تجتمع هناك النصارى من سائر الأرض ... فيُسرج هناك الشمع، ويجتمع فيه من المسلمين خلق عظيم للنظر إلى العيد ".
وذكر أنهم كانوا يعمدون إلى خدعة توهم الحاضرين أن نارًا تنزل عليهم من السماء، وقد علق البكري على تلك الرواية، قائلاً: " هكذا نقل بعض المؤرّخين، وهو أمر غير صحيح، وإنّما كانت هذه حيلة وناموس عمل من نواميس أسقف القدس، فكان يعمد إلى خيط إبريسم رقيق طويل، فيدخله من وراء الحائط إلى القبر، ويخرج من القبر إلى سرج الثريا، وهو مدهون بالبلسان، وتشتعل النار فيه من وراء الحائط بغلافين قد اتّخذهما لا صبعيه من خشب نوري، وتسري النار في البلسان حتّى يتّقد منها السراج، ففضحه علي بن إبراهيم الوزير أيّام كونه هناك، وكشف للناس وجه حيلته، وضرب في عنفه، فبطلت النار من ذلك الوقت ".
والعيد الرابع هو عيد خميس الأربعين، ويسمى في الشام (السلاق)، ويكون بعد الفطر بـ 42 يوماً، ويذكرون أن السيد المسيح عليه السلام تسلق فيه من تلاميذه إلى السماء بعد القيام ووعدهم بإرسال روح القدس.
ومن مظاهر الاحتفال بذلك العيد الخروج في موكب بهيج يشق طريقه إلى جبل الزيتون، ومن ثم يؤدون الصلاة في كنيسة، وكان الموكب يشق طريقه إلى كنيسة الصعود، حيث كانت بصمات، وأثار أقدام المسيح ماثلة للعيان.
والعيد الخامس هو عيد الخميس، أو عيد العنصرة، ويعتقد النصارى أنه في ذلك اليوم حلت روح القدس في تلاميذ السيد المسيح بعد تجلى روح القدس لهم في شبه ألسنة من نار، وتفرق عليهم ألسنة الناس، فتكلموا بجميع اللغات، وذهب كل منهم إلى البلد التي يعرف لغتها للدعوة إلى دين المسيح.
والعيد السادس من تلك الأعياد هو عيد الغطاس الذي يحتفل النصارى به في ذكرى تعميد المسيح على يد يوحنا المعمدان (يحيي بن زكريا عليه السلام) في نهر الأردن، وكان النصارى في ذلك العيد يغمسون أولادهم في الماء رغم شدة البرد، اعتقاداً منهم أن ذلك يقيهم شر المرض طول السنة( )، أما أعياد النصارى الصغار، فكانت سبعة، وهي: عيد الختان، وعيد الأربعين، وخميس العهد، وسبت النور، وحد الحدود، والتجلي، وعيد الصليب( )، وكان أشهر تلك الأعياد عيد القلندِس في القدس، وسائر بلاد الشام، ووصف المسعودي ما كان يفعله النصارى في ذلك العيد، من إيقاد للنيران، وإقامة الأفراح والمآكل والمشارب( ).
ومن أعياد النصارى أيضاً عيد مار سرجس في لُد؛ والذي حضره الشاعر المعلَّى بن طريف، مولى المهدي، ووصفه، ووصف اجتماع النساء فيه، فقال:
وأتيت لُدَّا عامداً في عيد مار سرجس
فرأيت فيه نسوةً مثل الظباء الكنس.
وعيد سبت النور في مدينة القدس أيضاً " النار المقدسة "، وكان النصارى يحتفلون به قبل عيد الفصح بيوم واحد، وقد وصفه أحد رحالة القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) بقوله: " كان يحضره أعداد كبيرة جداً سواء من النصارى المقيمين، أو الحجاج، ويقومون بإشعال المصابيح، ويقف رجال الدين والناس يطلبون أن يساعدهم الرب ".
وذكر القلقشندى مظاهر الاحتفال بذلك العيد في كنيسة القيامة بالقدس بنفس الأوصاف السابقة، وإلى جانب الأعياد الرئيسة عند النصارى، فقد كان لهم أعياد أخرى، ومواسم بلغ عددها مائة وثمان وسبعون عيداً، أو موسماً موزعة على مختلف شهور السنة. كما كان للنصارى أيامًا يصومون فيها، فمنها صومهم الكبير، وهو صوم تسعة وأربعين يوماً، وصوم السليحيين، ومدته ستة وأربعون يوماً، وصوم نينوى ثلاثة أيام، وصوم العذارى، وهو ثلاثة أيام، أولها يوم الإثنين، يتلو الدنح. وقد مرت احتفالات النصارى بالأعياد ببعض النكسات الناتجة عن منع بعض الحكام، للنصارى من الاحتفال ببعض الأعياد، فمنع الحاكم بأمر الله سنة (402هـ/1011م)" عمل الشعانين، وعيد الصليب، والتظاهر بما كانت عادتهم فعله في أعيادهم من الاجتماع واللهو".
ويبدو أن الأعياد النصرانية قد تركت تأثيراً واضحاً على حياة الناس حتى اتخذوها مضرباً للأمثال، فمن أمثالهم المرتبطة بعيد القلندس قولهم: " إذا جاء القلندس، فتدفّئ واحتبس، [وقولهم]: إذا جاء عيد برباره، فليتّخذ البنّاء زمّاره ".


د. عبد الحميد جمال الفراني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت