السياحة السياسية في المصالحة الفلسطينية

بقلم: القاضي ماهر خضير


نفتخر نحن الفلسطينيين دائما بأن لدينا كل أنواع السياحة في بلادنا حيث السياحة الترفيهية على شاطيء بحر غزه والمنتجعات والفنادق الحديثة التي ظهرت في الآونة الأخيرة على بحر الشيخ عجلين والسودانية وغيرها وكذلك السياحة الدينية التي تنشط في بيت لحم والقدس والمسجد الاقصى وكنيسة القيامة وماحولهم من آثار وأسواق ،والسياحة الثقافية التي تستهدف تاريخ فلسطين وآثارها الكنعانية سواء في الضفة أو غزه .ولكن نشهد الآن نوعا جديدا من السياحة يمكن أن نطلق عليه السياحة السياسية ورغم غرابة المسمى لكن الواقع الفلسطيني والانقسام الحاصل منذ سنة 2006 بين شطري الوطن فرض مثل هذه التسميات فجولات وصولات المصالحة الفلسطينية وسفريات الأخوة الأفاضل من الفصائل الفلسطينية وخاصة الفصيلين الكبيرين( فتح وحماس) وكثرة استضافتهم في الدول العربية والاوروبية وخاصة الشقيقة مصر راعية اتفاق المصالحة وغيرها من الدول العربية كقطر والسعودية والمغرب والجزائر وللاسف دون الوصول الحقيقي لتنفيذ مايتم الاتفاق عليه على ارض الواقع الفلسطيني يجعلنا نطلق على هذه السفريات في رحاب فنادق الدول العربية بالسياحة والترفيه السياسي والا بماذا نفسر هذه السفريات والاقامة في افخم فنادق القاهرة كستي ستار وسونستا وغيرها من فنادق الدول العربية والتقاط الصور التذكارية مع المحبين والمريدين.
اننا لو تفحصنا جوازات السفر الحمراء والسوداء ايضا لوجدنا عليها مئات اختام المغادرة والوصول ذهابا وايابا وتذاكر طيران وسيارات واتوبيسات من معبر رفح للقاهرة ومن مطار القاهرة الى عمان وقطر وغيرها .
ان السياحة السياسية في المصالحة الفلسطينية أصبحت عرفا وواقعا في الشارع الفلسطيني فكثيرا مايدلي هذا المسؤول أو ذاك او عضو هذا الفصيل أو ذاك عن ابتهاجه في رحلاته وسفرياته وتصريحاته الاعلامية على وسائل الاعلام بجميع اشكالها القديمة منها والحديثة كالفيس بوك وغيرة فيصف رحلته وسفرياته ويدلي باقواله المهمة في التوصل الى اتفاق ما أووضع عقبة لمنع الوصول الى اتفاق ما لايرضيه او يرضي فصيله !!!! فتضعه في واجهة الصورة وتكمل الشكل المثالي للسياحة السياسية .
ان آخر سياحة سياسية شاهدتها قبل يومين عندما جاءت الفصائل الوطنية الفلسطينية والشخصيات المستقلة وغير المستقلة من كل حدب وصوب بالطائرات عن طريق مطار القاهرة وبالباصات عن طريق معبر رفح فامتلأ بهو فندق سونستا بالقاهرة ومطعمة فظنيت ان امرا مهما وتطورا كبيرا حصل لتنفيذ اتفاق المصالحة وان انهاء الانقسام أصبح وراء ظهورنا وان حكومة فلسطينية جديدة تشرف على الانتخابات الفلسطينية وتحاول لملمة الوطن قد شكلت !وستعلن من فندق سونستا . ولكن عندما استفسرت عن الامر اتضح ان أحد الأحزاب المغربية عنده رخاء اقتصادي سيستضيف الفصائل وكل هذا الجمهور في سياحة سياسية للاطلاع على التجربة المغربية في المصالحة الفلسطينية وسيتكلف برحلة السفر وتذاكر الطيران وتغطية اجرة الفنادق بالقاهرة والمغرب وعلمت ايضا ان ذلك عرف عنده فسبق ان استضاف نفس الاشخاص في العام الماضي ولنفس السبب لاطلاعهم على التجربة المغربية في المصالحة .انني اعتقد ان الفلسطينيين وبعد هذه السنوات من الانقسام وجولات المصالحة اصبحوا أكثر خبرة من تجارب الآخرين بل ويمكنهم ان يعلموا الآخرين عن كيفية الحوار وماهي الاساليب الجديدة لوضع العقبات والمماطلة في تنفيذ الاتفاقيات وكيف يمكن ان ننقسم وكيف يمكن ان نلتئم؟!
ان الغريب في الأمر ان الحزب المغربي- مع كل التقدير والاحترام لمجهوده- قد دعا كل الفصائل الفلسطينية والمستقلين والراغبين في السياحة من غير الفصائل ولم يدعو الراعي الاول والذي يعمل بجد وضمير واخلاص وحرص شديد على انهاء الانقسام الفلسطيني وهم المصريون وطاقم المخابرات المصرية الخاص بملف فلسطين والمشرف على المصالحة ولهم الفضل بعد الله على ان ترى اتفاقات المصالحة النور بل ولهم الفضل بعد الله في صفقة شاليط وقضية الاسرى وكثير من قضايا ومشاكل وخلافات الشعب الفلسطيني فمن الاجدر ان يتم دعوتهم هم ايضا للاطلاع على التجربة المغربية ام هو الخوف من الغش ونقلها لمصر؟؟؟!!!
اعتقد ان الشعب الفلسطيني لايمانع في السياحة والترفية لكل قادتنا وفصائلنا ولكن هذا الشعب يريد النتيجة يريد انهاء الانقسام اولا وتحرير الارض وحماية العرض ثانيا.
وبرغم الحزن الشديد على قيام بعض الاعلاميين الفلسطينيين بوصف اللقاء الذي تم بين الرئيس ابومازن والاخ خالد مشعل في القاهرة لبحث استئناف جهود المصالحة الفلسطينية بانه عودة لموسم سياحة المصالحة بين (فتح وحماس) فانني سرعان ما ادركت صحة هذا التعبير القاسي فما ان اعطى كل وفد ظهره للآخر حتى بدأ يكرر شروطه لا للمصالحة بل لا لمجرد الاجتماع لبحث كيفية تنفيذ اتفاقات المصالحة .
فما ان انتهى اجتماعات السيد ابو مازن والسيد خالد مشعل والذي تم بجهود وساطة مصرية ،حيث اجتمع الرئيس مرسي مع كليهما كل على حده وبعده اجتمع معهما الوزير رأفت شحاده رئيس المخابرات المصرية حتى خرج علينا مسؤولين من كل جانب من الجانبين يكررون شروطهم فحماس تريد اعادة بحث كافة الملفات او على الاقل التنفيذ المتزامن لكل القضايا بينما ترى فتح ان الطريق الوحيد هو استئناف عمل لجنة الانتخابات المركزيه في غزه وبالتالي عدنا لنقطه الخلاف التي عطلت تنفيذ اتفاق الرابع من مايو 2011 بالقاهرة وبعده اتفاق الدوحه في فبراير 2012
هناك أجنحة لايستهان بها داخل( فتح وحماس) سعيده بالاوضاع الحالية وبالكراسي التي تجلس عليها وتعتقد ان المصالحة ستؤثر سلبا على مواقعها ..ولاجل ذلك تعمل على تعطيل المصالحة وأعتقد انها ستنجح للاسف لان معظم الناس باتت لديها اقتناع باستحالة ان يتخلى اي طرف عن مكاسبه من اجل تلك المصالحة خاصه وهو يبرر لنفسه بان الطرف الآخر متآمر أو حاقد أو عميل لجهة أجنبية.رغم ان الجميع يجلسون في بهو الفندق او مطعم الفندق يتسامرون ويتمازحون ويضحكون في رحلة سياحية ممتعة .
وخلاصة القول : انه على مصر راعية اتفاق المصالحة الا تتخيل انها وحدها قادرة على تحقيق المصالحة الفلسطينية لان جانبا كبيرا ومؤثرا من القيادات الفلسطينية لايريدها فعلا. وان السياحة السياسية لاتجلب صلحا او تنفذ اتفاقا بل هي ترويح عن النفس وتغيير جو .وان مايريده الشعب الفلسطيني هو انهاء الانقسام الفعلي على ارض الواقع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت