ان ما تعيشه المنطقة العربية والقضية الفلسطينية والعالم أجمع خاصة في ظل ما يسمى بالربيع العربي الذي تسطو عليه الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى من خلال سياسية الغطرسة والعدوان إلى إعادة رسم خرائط المنطقة وتجزئتها منذ احتلال العراق، الذي أرادت أن تجعل منه منطلقاً لتحقيق وفرض استراتيجيتها المعلنة في السيطرة الشاملة على العرب والمسلمين ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية وجعل الكيان الصهيوني القوة الإقليمية الكبرى المهيمنة عسكرياً واقتصادياً وأمنياً.
إن ما تتعرض له المنطقة العربية تتطلب من كافة القوى الحية العمل من اجل النهوض باوضاعها لوقف ما يجري لانه بدأت معالمه واضحة من خلال الثورة المضادة للحراك الشعبي العربي بهدف تدمير الدول وتفتيتها الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ونهب ثرواتها وقتل عشرات الآلاف من أبناءها وهذا ما ينكشف بصورة جلية وساطعة حقيقة المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة التي تريد السيطرة والهيمنة تحت شعارات براقة ومخادعة حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ومن هنا نرى ان ما يجري ليس ثورات ولا ربيع عربي، وإنما هو "فوضى أميركية خلاقة، وان الموقفين الروسي والصيني الرافضين لكل أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ذات الحراكات كانا كفيلين بكشف المؤامرة وكافيين لعل متبصر وعاقل ومفكر.
إن المشروع الأمريكي - الصهيوني لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف المنطقة والثورة الإسلامية في إيران، التي تقف بكل قوة إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والتي تقف إلى جانب قضايا الحق والعدل والحرية في العالم.
وهذا يدعونا ان نقف بكل صلابة وشموخ في وجه سياسة الغطرسة والتهديد التي تمارسها الادارة الامريكية ويمارسها الكيان الصهيوني لمنع إيران من التقدم والتطور وامتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية.
لماذا يحق لإسرائيل أن تمتلك أسلحة الدمار الشامل ولا يحق لإيران وشعوب المنطقة أن تتقدم وتمتلك التطور العلمي والتكنولوجي لتطوير مجتمعاتها.
إن الضغوط والتهديدات الأمريكية - الصهيونية ضد الثورة الإسلامية سببها الأساسي مواقف إيران المؤيدة للحقوق الفلسطينية والعربية..
لا شك أن الوضع الحالي الذي تعيشه الساحة الفلسطينية دقيق للغاية حيث تجري محاولات للضغط على القيادة الفلسطينية بهدف العودة الى مسار المفاوضات وفرض الحل الصهيوني - الأمريكي تسيطر فيه إسرائيل على القسم الأكبر من الضفة الفلسطينية وتقطيع أوصالها، وتثبيت جدار الفصل العنصري وتكريس المستوطنات والسيطرة الكاملة على القدس وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة حقيقة، أي بكلمة يريدون "فرض الاستسلام" على الشعب الفلسطيني. لكن هذا الشعب المكافح والعنيد صاحب التجربة التاريخية الطويلة يدرك جيداً أن المطروح هو تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية وإقامة كيان فلسطيني مسيطر عليه إسرائيلياً فاقداً لكل مقومات السيادة يشكل جسر عبور للكيان الصهيوني لإقامة علاقات مع الدول العربية والإسلامية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يواصل مقاومته الشعبية رغم أعقد الظروف وأصعبها تمكن من أن يحقق انتصارين اولهما انتصار غزة على كيان الاحتلال والانتصار الاخر عبر صوت قيادته في الجمعية العامة للامم المتحدة والاعتراف بدولة فلسطين كدولة غير عضو " اي مراقب "، وهذا ما كان ليتم لولا التضحيات والصمود البطولي للشعب الفلسطيني على أرض وطنه وفي اماكن اللجوء والشتات .
امام هذه الاوضاع نرى ان التحرك الفلسطيني في اتجاهات متعددة سيعزز حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس ، وإعلان السيادة على الأراضي المحتلة بعد أن جرى انتزاع عضوية الدولة المراقبة في الأمام المتحدة ونقل ملف القضية الفلسطينيه الى اروقة الامم المتحدة لمطالبتها بعقد مؤتمر دولي او تحديد مرجعية دولية للمفاوضات من اجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصله .
وهنا لا بد من القول ، من الخطأ قبول إقامة (فيدرالية أو كونفدرالية) مع الأردن أو غيره، قبل كنس الاحتلال وإنجاز حق تقرير المصير، لأن الاتحاد أو الوحدة لا تقوم إلا بين كيانات ودول مستقلة وسيادية فعلاً، وقد حقق الشعب الفلسطيني خلال هذه المرحلة الطويلة من النضال والتضحيات، إنجازاً مهماً وهو الاعتراف بالحقوق الوطنية التي تشمل الحق في تقرير المصير، بمعزل عن التعطيل الذي مارسته على نحو خاص، الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لمنع تطبيق قرارات الشرعية الدولية وترجمة هذه الحقوق على الأرض، وبعيداً عن مواصلة هذه الإدارات حماية إسرائيل من أي محاسبة وإجراءات عقابية .
ان الحصار المالي التي تتعرض له السلطة الوطنية الفلسطينية يشكل كارثة انسانية وخاصة بعد تهرب العرب من مسؤولياتهم التي وعودوا بها السلطة الوطنية بتوفير شبكة امان بمائة ميلون دولار ، وهذا الوضع سيكون له تأثير كبير على كافة الجهات العربية والأجنبية ان لم يقفوا امام مسؤولياتهم وما يدفعونه هو حق للشعب الفلسطيني وليس منّة، فهذا واجب عليهم فالقدس لكل المسلمين والعرب وليس للفلسطينيين فقط، ما يؤلمنا أن الدول العربية بدأت تستجيب للضغوط الأميركية بصورة غير مقبولة بعد أن أصبحت فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة، فتقلص الدعم العربي للسلطة الوطنية الفلسطينية بشكل يهدد المشروع الوطني الفلسطيني وبالتالي يهدد كيان ووجود الشعب الفلسطيني بكامله، وعلى الجميع ان يعرف إن القضية الفلسطينية ستظل على الدوام محكاً حقيقيًّا للسياسات العربية بوجه خاص، ولسياسات ما يسمى بالمجتمع الدولي بوجه عام، فهي المرآة العاكسة لما يعتري تلك السياسات من تناقضات ومواقف منافقة.
إن الوضع الفلسطيني بات يتطلب إجراء عملية مراجعة سياسية شاملة للمرحلة الماضية خاصة بعد وصول السلطة الفلسطينية إلى طريق مسدود، حيث لا يوجد أفق لأي حل سياسي حقيقي يقوم على قاعدة استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ولذلك فإن المصلحة الوطنية تقتضي إعادة النظر الجذرية من خلال رسم استراتيجية وطنية تؤكد اولا رفض الحلول الأمريكية الإسرائيلية و تقوم على قاعدة استمرار المقاومة و تعزيز الوحدة الوطنية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها والتمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية.
ان تنفيذ اتفاق المصالحة وانهاء الانقسام اصبح مطلب شعبي ووطني وهذا يتطلب من الجميع العمل من اجل استعادة لحمة الوطن وتشكيل حكومة فلسطينيه تشرف على إجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة والقيام بإصلاحات جذرية شاملة في كافة البنى والمؤسسات الفلسطينية.
إن إنهاء معاناة الشعب الفلسطيني االمستمرة منذ زهاء قرن من الزمن، وعلى الأقل منذ عام النكبة، هو أمر في غاية الأهمية، ويتطلب جهداً كبيراً من جميع فصائل العمل الوطني، ومن جميع مكونات الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده، لاستنهاض عوامل القوة الذاتية، وبضمن ذلك رص الصفوف وإنهاء الانقسام وبناء وحدة وطنية قوية، والتوافق على استراتيجية كفاحية موحدة، متعددة الأشكال ، وتحديد درجة مساهمتها في تقدم عملية التحرر، وكذلك استنهاض عوامل الدعم والمساندة العربية والدولية، بأشكالها الفاعلة والمؤثرة كافة.
ختاما : لا بد من التحذير من عواقب إصرار البعض في الساحة الفلسطينية على التمسك بخياراته السياسية وبرامجه الخاصة، فالمسؤولية الوطنية تقتضي الدفع بقوة، باتجاه تطبيق اتفاق المصالحة وعدم انتظار ما يجري في المنطقة للخروج من المأزق الراهن، والعمل من اجل تعزيز لوحة الصمود والقيام بتفعيل التحرك الجماهيري والعالمي لدعم صمود الاسرى والاسيرات البواسل والعمل من اجل الافراج عنهم ، وكذلك تعزيز المقاومة الشعبية في الدفاع عن الارض والوطن والمقدسات .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت