بينما يتفاقم الوضع المأســاوي للاجئين السـوريين والفلسطينيين الذين أجبرتهم قساوة الظروف على مغادرة سكناهم باتجاه دول الجوار للبحث عن مكان أمن يقيهـم جحيم الحروب ، اضافة الى الأعداد الهائلة ممّن تقطعّـت بهم السبل داخل سوريا نفسها هـرباً من الموت الزؤام الذي يلاحقهم من مكان لأخر ، وأمام قرصنة كيان الاحتلال للأموال الفلسطينية المحتجزة وتواطؤ الأدارة الأمريكية معها في محاولة بائسة لتركيع الشعب الفلسطيني ، دعا لبنان الرئيس الدوري لمجلس جامعـة الدول العربية الى عقد اجتماع استثنائي على مســتوى وزراء الخارجية لم يحضره سوى ثلاث وزراء اضافة الى وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني مما أفـقدة إمكانية اتخاذ القرار نظراً لتدني مستوى التمثيل ، هذه الدعوة جاءت للبحث عن السبل الكفيلة بأنهاء معاناة اللاجئين بما فيها استهداف المخيمات الفلسطينية ومحاولات زجّهم في أتون الصراع بالرغم من الاعلان المتكرر عن حيادهم والو قوف على مسافة واحدة مع جميع الأطراف ، وتأمين مستلزمات مايبقيهم على قيد الحياة ، بعد أن كشفت الأحوال الجوية العاصفة الأخيرة التي ضربت المنطقة بؤس أوضاعهم الأنسانية فضلا عن فقدان أبسط مقومات الحياة التي لا يتحّملها عقل بشري في القرن الحادي والعشرين ، كما ناقش الوزراءالعرب تداعيات الأزمة المالية الطاحنة التي تشكو منها خزينة الحكومة الفلسطينية الخاوية من أي إيرادات خارجية مما أدى الى حرمان مليون فلسطيني مصدر دخلهم الوحيد للشهر لثاني على التوالي جّراء نكوث الدول العربيـة بوعودها المتكررة تقديم شبكة الأمان المالية المقررة بعد أن فرضت حكومة التطرف العنصري عقوبات جماعية يحرمّها القانون الدولي ،مما يعطلها عن القيام بواجباتها وعدم مقدرتها على دفع فاتورة الرواتب لموظفيها وكذا النفقات التشغيلية الأخرى ...
لا يعلم أحد جدوى الدعوة لاجتماع طاريء يعيد انتاج قرارات غير طارئـة سبق وأن تمّ الأتفاق عليها بالأجماع التام مرات عديدة في القاهرة مقر الجامعة ، وأخرى في الدوحة ،ثم بغداد رئيس القمة العربية ، تكاد تكون نفقات التأمها وما يترتب عليها من أمور اخرى كافية لتغطية ماهو متفق عليه ان لم يزيد على ذلك ، خاصـةً أن بعض الدول تتحدث عن فائض مالي يقّدربمليارات الدولارات من عوائد بيع النفط في الأســواق العالميـة ، الأمر الذي يؤشـر بوضوح شديد إلى مدى إذعان الأنظمة الرسمية للأجندة الأمريكية الصهيونية وضلوعها بفرض الحصار على الشعب الفلسطيني بغية التنازل عن ثوابته الوطنية التي لايمكن التفريط بها مهما اشتّد ت الضغوطات .
انتهى اجتماع وزراء الخارجية العرب دون مفاجأت غير متوقعة، بعد أخذ الصور التذكارية والقاء الكلمات الملتزمة بالقضايا العربية وعلى رأسها القضية المركزية للأمة العربية أعقبه مؤتمر صحفي مبهر للحديث عن النتائج التي توصل اليها يمكن وصفه ببساطة أنه خرج " بخفي حنين" ماعدا تشكيل لجنتين الأولى خاصة باللاجئين السوريين حيث تقرر زيارة الدول التي تأوي لاجئين الغرض منها تقييم الأحتياجات الضرورية ومساعدة الدول المضّيفة على اعباء ذلك التواجد، كأَن السادة الوزراء قادمون من كوكب أخرلايعلمون مايجري حولهم بعد مرور مايقارب العامين على المأساة المستمرة ، أما اللجنة الثانية مؤلفة من رئيس الوزراء الفلسطيني وأمين عام الجامعة العربية وكل من وزراء خارجية لبنان والعراق ومن يرغب الأنضمام اليهم تنحصر مهمتها بالتجوال على الدول العربية لحثّها تقديم الدعم المالي لخزينة الحكومة الفلسطينية ، أي أن العرب قرروا أخيرا ً محاكاة انفسهم للوفاء بالتزاماتهم السابقة ، حالة من الشيزوفـرينيا السياسية يعبّر عنها واقع الحال العربي المزري لاتبشّر بقرب الإنتهاء من العبث بالقضايا المصيرية للأمة العربية ، وبالتالي لا ينبغي الرهان على الوعود التي من شأنها اضافة المزيد من الأحباط على الواقع المأزوم ، إن بعض الدول العربية التي تطوعت بشكل فاضح وســـخرّت كل امكاناتها لتعزيز الأنقسام الفلسطيني المدمر للمشروع الوطني لازالت تلعب الدور المشبوه ذاته مقابل الحفاظ على امتيازاتها غير المشروعة خدمة للمخططات الامريكية المريبة منذ صعود اليمين الصهيوني داخل امريكا وتبني سياسة الفوضى الخلاقّة لاعادة رسم المنطقة من جديد الذي تحدث عنها وروّج لها ثعلب السياسة الأسرائيلية "شمعون بيرس " في كتابه الشرق الأوسط الجديد،في حين تشتدّ وتائر النزاعات المذهبية والعقائدية باتجاهات لايمكن السيطرة على نتائجها أقل مايقال فيها بأنها تسيرنحو تمزيق الدول الوطنية إالى عدة دويلات فاشلة مما يسّهل السيطرة على مقدراتها وثرواتها الطبيعية، تكون القوى المعادية لتطلعات وأماني الشعوب العربية وحدها المستفيد الأول والأخير من استمرارذلك الوضع البائس ، لقد أثبتت الجماهير العربية قدرتها على التغييرالجذري المطلوب من خلال رفض الأستبداد والظلم وهو ماتجلى في أكثر من مكان جغرافي ، غير أن صعود قوى نائمة ركبت موجة الثورات تدور في الفلك الأمريكي بسبب عجز الحركات والأحزاب الوطنية والديمقراطية أخذ دور الريادة ، وقلة الخبرة للقوى الشبابية المحركة الرئيسة للثورات ترك فراغا لهذه القوى المزيفّة المؤهلة الأكثر تنظيما من استلام زمام المبادرة بلا جهود تذكر ، مما أفقدها بريق الأنتصار وحرف مسارها باتجاهات التدّجين السياسي لذلك أظهرت حرصها الشديد على الألتزام بالأتفاقيات الموقعة مع اسرائيل من أجل ضمان التأييد والدعم الأجنبي لها ،إن مايدعو للدهشــة اعتقاد هذة الأنظمة إمكانية بقائها في منأى عن التغيير الحقيقي نتيجة تحالفها غير المقدس مع القوى الكبرى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ تكمن المفارقة المضحكة المبكية بدعوة هذه الدول ضرورة احترام الدول الأخرى التي طالها الحراك الشعبي لإرادة شعوبها وإشاعة مناخ الحريات والإصلاح الديمقراطي بينما لازالت هي نفسهاغير قادرة على تحمّل قصيدة شاعر ألهبة التوق إلى الانعتاق من تحت عباءة التسلط نحو فضاء الحرية كانت نتيجتة الحكم المؤبد لذلك الشاعر الحالم ، مع أن التجربة لم يفت عليها وقت طويل لإدراك بأن لاصداقات دائمة مع الدول العظمى بل مصالح دائمة ولهم في حلفائهم السابقين خير دليل على ذلك ، يعلم الجميع أن يوم الحساب قادم مهما طال الزمن لأن ذاكرة الشعوب تختزن ماهو ايجابي كما لاتنسى ويلات الظلم والمعاناة ، كما أن الشعب الفلسطيني الذي ذاق الأمرّين من ظلم ذوي القربى قادر على استنباط وسائل الصمود والتحدي مثلما حوّل مشهد الخيمة الذي يستحضر النكبة إلى أفاق رحبة تفتح ألف باب للشمس نحو فضاءالحرية ، لذا لاينبغي على إخوة الشيطان الرهان على حسابات الوهم بأن مالم يحصلوا عليه بالعدوان والحصار يمكن أن ينالوه مقابل حفنة من المال، يبقى الأمل معقوداً على أن يتجاوز الشعب الفلسطيني محنتة بمغادرة عقلية الإنقسام واستعادة وحدته الوطنية السلاح السحري الأمضى لتحقيق الأهداف الوطنية في العودة وتجسيد الأستقلال، وإن أراد البعض غير ذلك فعليه تحمل النتائج التي يقررها الشعب الفلسطيني وحده.....
.....................................................................
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت