عَرفتُ غسان الشهابي قبل أن يَعرفه المئات من نشطاء المخيم من عموم أجياله، عندما إرتبطنا بصداقة قديمة (مابعد دراسية) منذ النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، كانت فصائلية في حينها، بالرغم من وجودنا في فصيلين مختلفين من فصائل العمل الوطني الفلسطيني، فكان غسان في تلك الصداقة نموذجاً لفتى كان يصعد متدرجاً في سلم سياسي ووطني وإجتماعي، مهذباً، ولبقاً، ومحاولاً في الوقت نفسه بناء ذاته على كل المستويات.
غسان الشهابي، ناشط فلسطيني، زين الشباب، من شبيبة المخيم ومن رجالاته، ترعرع كما كل أجيالنا على نداء وصوت الوطن الفلسطيني، وأنخرطنا معاً في صفوف العمل الوطني الفلسطيني بهذا الفصيل أو ذاك، وشربنا معاً كأس المرارة والمعاناة التي مازالت تلاحق كل فلسطيني على وجه المعمورة خاصة بديار العرب التي ضاقت علينا رغم إتساعها.
غسان الشهابي، هوى صباح اليوم، السبت الواقع في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني، برصاص قناص غادر مضرجاً بدمائه الزكية الحمراء المتدفقة من جبهته، كما يهوي النسر الطائر المتألق في سماء التحدي، فكان خسارة لنا جميعاً نحن أبناء مخيم اليرموك، أبناء فسطين والقضية المقدسة، وتحديداُ في هذا الظرف بالذات حيث يعيش أبناء شعبنا في سورية نكبتهم الجديدة بعد تغريبة اليرموك الأخيرة.
وبالرغم من تجربته العميقة والطويلة، لم يكن غسان الشهابي، مسيساً حتى العظم، ولم يكن يملك أطروحات وحذاقات أو فذلكات فكرية وسياسية عالية، لكنه كان يحمل ميكانيزما عالية التفاعل مع محيطه وفي بيئته وفي مجالات عمله التي طالت نشر الكتب والتراث الفلسطيني وروايات النكبة، والتاريخ الشفوي الفلسطيني منذ بواكير النكبة وحتى الآن، فأسس دار الشجرة في مخيم اليرموك، وتحديداً في شارع اليرموك قرب مجمع (صامد) الفلسطيني، لتكون شجرة باسقة ذات ثمارٍ ونبتاً يانعاً في سماء المخيم، وزاداً للأجيال الصاعدة التي تتوالد كل يوم طوابير وراء طوابير.
كما كان يملك علاقاته المجبولة بالمودة والإحترام مع الجميع، كما كان يملك تلك الجوهرة الفريدة المتمثلة بفلسطينيتة وعروبته الشامخة، والتي سعى دوماً في مشوار حياته لخدمتها كجندي مجهول في آتون معمعان صاخب عشناه نحن أجيال النكبة سوياً منذ رأت أعيننا نور الحياة في سماء مخيمنا مخيم اليرموك. ومن تلك الخصلة الإيجابية (التي تقاطعت معه دوماً فيها وشجعته على الإستمرار بها) إحتفظ بعلاقات طيبة مع كل القوى والفصائل الفلسطينية والشخصيات الوطنية في مخيم اليرموك وخارج اليرموك متجاوزاً الضغائن وأمراض الحساسيات الفصائلية والحزبية المقيتة الموجودة في ساحة العمل الوطني الفلسطيني فكان صاحب علاقات جيدة (فوق فصائلية) وهي صفةٌ حميدةٌ يُعتَدُ بها.
أُرثي صديقي العزيز غسان الشهابي، ونحتسبه عند الله شهيداً، ففي فقدانه نشعر بالمأساة تطل علينا مضاعفة، فقد سقط في المكان غير المناسب على الإطلاق، وبيد كانت يجب أن تكون حنونه علينا جميعاً. لقد كان يتمنى أن يكون إستشهاده هناك على أرض فلسطين، في الجليل وطبرية وصفد حيث قريته وأرض أجداده في لوبية/قضاء طبرية.
في فقدان الشهيد غسان الشهابي، صاحب ومؤسس دار الشجرة للدراسات الفلسطينية، والناشط الفلسطيني التوفيقي التصالحي الإجتماعي، خسر مخيم اليرموك، شاباً ورجلاً من شبابه ورجالاته الواعدين، وقد عمل كل مابوسعه خلال الأشهر الماضية على توليد حالة فلسطينية توافقية بين الجميع لحفظ البيت الفلسطيني في ظل مرجل الغليان الذي يمور في سورية، وفي الوقت نفسه تقديم كل أشكال العون والمساعدات للأخوة السوريين الذين لجؤا إلى مخيم اليرموك من مناطق التوتر المحيطه به من حي الضامن، والحجر الأسود، والعسالي، والقدم، ومنطقة الأعلاف، ومن حي الزهور وغير تلك المناطق، فَيدَهُ الطيبة موجوده وتترك آثارها الآن بهذا الحزن لفقدان غسان الشهابي.
أخيراً، نحن باقون في مخيم ليرموك، وكلنا مشاريع شهادة، وبكلام ليس عاطفي أو شاعري، لانخرج من مخيم اليرموك إلا لفلسطين، وسنحمل معنا عندها توابيت شهدائنا من مثاويهم. ونضيف القول ونحن نؤبن وننعي صديقنا الحبيب الشهيد غسان الشهابي، نقول لقد آن الأوان، أن تتوقف تلك السلوكيات الدموية العبثية، وآن لمسلسل القتل أن يتوقف في كل البلاد بطولها وعرضها. وآن لمخيمنا الشامخ أن يعود كما كان ملاذاً وحضناً دافئاً للجميع وسنداً لكل مظلوم ومكلوم.
علي بدوان
كاتب فلسطيني/مخيم اليرموك
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت