أضاعت أحزاب اليسار والوسط -ما يسمى بالمعارضة الإسرائيلية- فرصة لن تعوض للتوحد في جبهة واحدة تحمل برنامجا سياسيا واحدا، بهدف تشكيل كتلة مانعة تحول دون تمكين "بنيامين نتنياهو" من تشكيل الحكومة القادمة، في أعقاب الانتخابات العامة للكنيست، التي ستجري بتاريخ 22-1-2013، فتوحيد قوى المعارضة من شأنه تعزيز قوتها في الشارع الإسرائيلي، وفي زيادة المقاعد التي سيتحصلون عليها.
رئيسة حزب "حركة" "تسيفي ليفني" كانت المبادرة بالدعوة إلى إقامة هذه الجبهة، المفترض أن تتشكل من حزبها، وحزب العمل برئاسة النائبة "شيلي يحموفيتش"، وحركة "يوجد مستقبل" التي يقودها الإعلامي "يائير لبيد"، هذا المعسكر لو كتب له النجاح كان سيحظى بتأييد حزب ميرتس اليساري والأحزاب العربية، والذي يهدف لعزل "نتنياهو" وحكومة اليمين عن الحكم، وتأتي هذه المبادرة بتراجع حزب الليكود-بيتنا في استطلاعات الرأي العام اللذين لهما (42) مقعداً في الكنيست الحالي، إلى ما بين 33-35 مقعداً، وإعلان "ليبرمان أن حزبه سينفصل عن تحالفه الحالي مع "الليكود" بعد الانتخابات، غير أن استطلاعات الرأي العام ما زالت الغلبة لليمين، بل زيادة في عدد مقاعده إلى أكثر من (70) نائباً من أصل (120) عدد نواب الكنيست، ومعنى ذلك-إذا تحقق-أن "نتنياهو" يكون رئيس الحكومة القادمة بلا منازع.
مبادرة "ليفني" تقضي من وراء تشكيل الكتلة المانعة، بعدم التوصية لدى استمزاج رئيس الدولة "شمعون بيرس" آراء الأحزاب بمن يوصونه برئاسة الحكومة، معارضتهم إسناد هذا المنصب لـ "نتنياهو"، والاتفاق على مرشح من بينهم لتشكيل الحكومة، فالقانون الإسرائيلي لا يعطي مرشح الحزب الأكبر من حيث عدد مقاعده بتشكيل الحكومة، بل مرشح الحزب أو الأحزاب التي تحظى بتأييد (60) نائباً وما فوق كي تستطيع حكومتهم الحصول على ثقة الكنيست، والحقيقة أن مواقف أحزاب الوسط واليسار غير منسجمة فيما بينها، فرئيسة حزب العمل "شيلي يحموفيتش"، أعلنت بأنها ما بين تشكيلها للحكومة القادمة، أو أن تقود المعارضة الإسرائيلية في الكنيست، ولا يوجد أمامها طريق ثالث، فالسياسيون في إسرائيل يقطعون على أنفسهم الوعود خلال الحملة الانتخابية، ومن المشكوك أن يلتزموا بتعهداتهم، وأن مثل هذه التصريحات أضرت بإقامة هذا التحالف الوسطي اليساري، فتصريحات "شيلي" جاءت لتفند الشائعات بأن حزب العمل سينضم إلى حكومة "نتنياهو"، على غرار ما قام به "ايهود باراك" الذي كان رئيساً لهذا الحزب في انتخابات عام 2009، وانضم إلى حكومة "نتنياهو"، كما هو معروف، فحزب الليكود نجح بزرع إسفين بين أحزاب اليسار والوسط، حيث أشاع بأن "ليفني" ستنضم إلى حكومته القادمة، وأنه سيسند لها منصب الخارجية الذي أسند إليها إبان حكومة "أولمرت"، في الوقت الذي أعلنت فيه رئيسة حزب "ميرتس" "زهابا غلؤون" بشكل قاطع أن حزبها لن ينضم إلى حكومة "نتنياهو".
إن عدم وجود ثقة بين أحزاب اليسار والوسط، أفشل إقامة الكتلة المانعة، مع أن لا فوارق سياسية فيما بينهم، كما فشلت محادثاتهم في الالتزام بعدم الانضمام لحكومة "نتنياهو" القادمة، وعلى الأقل عدم المشاركة في حكومة تشارك فيها الأحزاب الدينية، فإن فشل الاتفاق أدى إلى تراجع هذه الأحزاب في استطلاعات الرأي العام، مقابل زيادة في مقاعد معسكر اليمين، إذ أن أحزاب الوسط واليسار، تتصارع فيما بينها للحصول على نفس الأصوات، ويوجهون الانتقادات الواحد للآخر، فرئيس حركة "يوجد مستقبل"-"يائير لبيد"، لم يكن معنياً بالكتلة المانعة، فهو غير معتاد -كما يقول- بمقاطعة أشخاص أو أحزاب، وأنه سيعرض على حزبي "العمل" و"الحركة" الانضمام معاً إلى حكومة محتملة برئاسة "نتنياهو"، لكي لا تقتصر مثل هذه الحكومة على الأحزاب اليمينية المتطرفة، والأحزاب الدينية، وهذا ما يسعى إليه "نتنياهو"، كي لا توصم حكومته القادمة بالتطرف، بل أنه يريد تطعيمها بأحزاب الوسط لتحسين صورة حكومته في العالم.
"نتنياهو" يحاول صد تيار أقصى اليمين الصاعد في استطلاعات الرأي العام، وبخاصة "البيت اليهودي" الذي يتزعمه زعيم المستوطنين "نفتالي بينت"، الذي ينتزع الأصوات من مؤيدي "الليكود"، بعد أن أحدثت الاستطلاعات صدع في جبهة "نتنياهو" تعتبر تحدياً له، إذ أن حصول قائمة "البيت اليهودي" على عدد كبير من المقاعد في الكنيست، ستحسن فرص هذا الحزب بفرض برنامجه السياسي من جهة، وفرصة حصوله على حقائب وزارية سيادية في حكومة "نتنياهو" القادمة من جهة أخرى، إذ أن طريق هذا الحزب يصب بالمشاركة في الائتلاف الوزاري القادم، كما أن تجذر هذا الحزب سيثير المزيد من القلق الدولي الرافض لسياسة إسرائيل الاستيطانية، مما دفع بـ "نتنياهو" للقيام بجولة في المستوطنات للمرة الأولى منذ توليه رئاسة الوزراء، لمناشدة المستوطنين التصويت لقائمته.
في مقياس معطيات السلام الذي أجري من قبل المعهد الإسرائيلي للديمقراطية لشهر كانون أول الماضي، تبين أن الجمهور الإسرائيلي يجنح أكثر فأكثر ناحية اليمين والتطرف، ووفقاً لهذا الاستطلاع فإن 55% من الإسرائيليين ينتمون إلى اليمين، و21% إلى الوسط، ـو17% إلى اليسار، وأن 50% منهم أعربوا عن قرارهم بالتصويت لأحزاب اليمين، فيما قال 30% بأنهم سيصوتون لأحزاب الوسطـ، لكن التناقض في هذا الاستطلاع بأن 67% منهم أعربوا عن موافقتهم استمرار الجهود في العملية السلمية مع الفلسطينيين، غير أن حكومة يمين متطرف، يقع في صميم برامجها الترحيل للفلسطينيين -"الترانسفير"- وضم الأراضي المحتلة لإسرائيل، إذ أنهم يعارضون إقامة دولة فلسطينية، من هنا فإن إدخال أحزاب الوسط أو بعضها للحكومة القادمة للزينة، يزيل عنها صفة التطرف بنظر بعض دول العالم، لكن شعار اليمين في هذه الانتخابات يقول: دعوا اليمين
لينتصر، ودعوا "بينت" و"فيغلين" يتوليان الحكم حسب "هآرتس 4-1-2013"، فقد أصيبت إسرائيل بالجنون، وعلى العالم التوصل لقناعة ويكتشف الوجه الحقيقي لإسرائيل.
ولعلنا نسلط الأضواء مرة أخرى على برامج الأحزاب الإسرائيلية من الموضوع الفلسطيني، والبناء في منطقة "E1" الذي يربط القدس مع مستوطنة "معاليه أدوميم":
- حزب الليكود-بيتنا: غير ملتزم بحل الدولتين، يواصل المماطلة وتخليد الوضع الراهن، والاستمرار بالاستيطان، وتأكيد كامل على البناء في منطقة "E1".
- حزب العمل: مع حل الدولتين، وأن الاقتصاد الاجتماعي لن يتحقق إلا مع تحقيق السلام، أما البناء في "E1" فيجب عدم القيام به إلا من خلال المفاوضات، وأن سياسة أحادية الجانب ستؤدي إلى الجمود، وفرض عزلة دولية على إسرائيل.
- حزب شاس الديني: "نتنياهو" لن يكون رئيس حكومة بدوننا، ولن نشارك في حكومة دون أن تكون وزارتا الإسكان والداخلية بأيدي الحزب، مع تأكيدهم الكامل على البناء في "E1".
- البيت اليهودي: يعارض إقامة دولة فلسطينية، بل ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل، وأن هذا الحزب لا يؤمن بتحقيق السلام مع الفلسطينيين، ويعارض تسليم أجزاء من البلاد "للعدو"، -أي الفلسطينيين- ومن الممكن التوصل فقط إلى التعايش، وزعم رئيس هذا الحزب أنه لا يحمل كراهية للعرب!.
- حزب ميرتس اليساري: إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967، وأن أقوال الحكومة عن عدم وجود شريك فلسطيني والبناء في "E1" يهدف إلى تحويل حل الدولتين إلى مستحيل.
- الحركة برئاسة "تسيفي ليفني": تؤيد حل الدولتين، أما البناء في "E1" فقط كجزء من مسيرة سياسية مع الفلسطينيين وتفاهم مع الولايات المتحدة.
- يوجد مستقبل: يؤيد حل الدولتين مع الحفاظ على الكتل الاستيطانية وعلى القدس، مع تأييده للبناء في "E1".
- يهدوت هتوراة" يؤيدون البناء في جميع أرجاء القدس و "E1" لكن دون التحرش المقصود بأمم العالم.
- الأحزاب العربية: إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، أما البناء في "E1" فإنه يهدد سلام المنطقة، ويعتبر قراراً كارثياً، وأن الدولة التي تبصق على القانون الدولي تتصرف كجنائية.
لقد رفض حزب الليكود-بيتنا، والبيت اليهودي، وشاس، ويهدوت هتوراة، وحزب القوة لإسرائيل، التوقيع على وثيقة تلزم المساواة بين المواطنين العرب واليهود داخل إسرائيل، في حين أعرب حزب العمل وميرتس والحركة ويوجد مستقبل وكاديما الموافقة على التوقيع، هذه الوثيقة التي بادر إليها المركز اليهودي العربي للتطوير الاقتصادي، فهذه هي السياسة التي تسود الساحة الإسرائيلية، مما يتطلب منا أن نعرف بأن الحل السياسي للقضية الفلسطينية مغلق، وعلينا البحث عن بدائل أخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت