حارس امن يعمل في شركة خاصة بمحافظة القاهرة امسك بحمامة من فصيلة الحمام الزاجل، الحمامة تحمل رسالة في احد ساقيها مكتوب فيها "اسلام إيجبت 2012"، وفي الساق الاخرى قطعة قيل انها ميكروفيلم، وسواء كانت ميكروفيلم او "دبلة" كما صرح مصدر امني، فان الحمامة بعد ان تقدم القابض عليها ببلاغ للنائب العام أحدثت استنفارا في اجهزة الأمن، وتلقفت الاحزاب السياسية الحكاية وأخذت تنسج عليها تعليقاتها، وباتت اخبار الحمامة وما تحمله محل اهتمام الكثير، وتركزت التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي على الحمامة وعلاقتها بما تشهده الشقيقة مصر، وبطبيعة الحال حملت التعليقات طابع السخرية حتى اعتبر البعض ان الدبلة التي تحملها ما هي الا خاتم سليمان القادر على انتشال الاقتصاد المصري من كبوته، على الجانب الاخر المتعلق بجدية الحديث عن الحمامة اعتمدت على ما وصفه حارس الأمن بان الحمامة وصلته منهكة القوى بما يدلل انها قطعت مسافات طويلة قبل ان يلقي القبض عليها، فهل جاءت الحمامة من مناطق معادية من خارج الحدود، أم أن المايكروفيلم ما هو الا دبلة أراد شاب أن يرسلها لحبيبته بعيدا عن تطفل سعاة البريد
لسنا هنا بمحل الحديث عن الشأن المصري وجملة الصعوبات التي تواجه الشقيقة الكبرى مصر والتي نأمل ان تتعافى سريعا وتعود لتقود المركبة العربية قبل ان يحل الخريف العربي، لكن ما يهمنا في حكاية الحمامة هو ذلك الخلط بين الماضي والمستقبل مع تجاوز الحاضر بكل ما وصلت اليه البشرية من تقدم في مجال تقنية الاتصالات، الحقيقة اننا نعيش في كنف الربيع العربي حالة من انفصام الشخصية "الشيزوفرانيا" ، فنحن من جهة نقبض على الماضي ونريد ان نسقط ما فيه على الحاضر، وللاسف نغلف عملنا هذا بالدين وهو براء منه براءة الذئب من دم يوسف، وفي ذات الوقت نخاطب المستقبل بلغة مغايرة، على شاكلة الفرق في قناة الجزيرة الإخبارية بين ما تقدمه بلغتها العربية وما تتناوله في نشرتها باللغة الانجليزية
يقول السيد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسي ان الثورات العربية لم تأت لشعوبها بالديمقراطية، وهذا في واقع الامر صحيح، حيث ان دول الربيع العربي ما زالت تتخبط فيما يتعلق باحتياجات المواطن الحياتية، وفي الوقت ذاته يضيق صدر حكوماتها بالرأي المغاير لها، لكن يبقى السؤال المحوري، من هو القادر على صناعة الديمقراطية وتقديم أدبياتها للمواطن؟ هل الحكومات هي من تتحمل هذه المسؤولية ام ان الشعوب تتحمل القسط الاكبر من المسؤولية؟ قبل ان تطيح أجواء الربيع العربي بالأنظمة الحاكمة كانت قوى المعارضة تحمل الأنظمة المسؤولية عن غياب الديمقراطية وتتهمهما بقمع الحريات وتكميم الأفواه، وتحللت من اي دور لها في ترسيخ مفاهيم الديمقراطية، واليوم بعد ان باتت المعارضة في سدة الحكم تحمل معارضيها المسؤولية عن غياب الديمقراطية، ولم تعد تطيق حراك الشارع حتى وان جاء تحت عناوين المشاكل الحياتية، فهل مطلوب من المواطن أن يصمت كي تعد الأنظمة الحاكمة وجبة الديمقراطية له على نار هادئة، دون ان يكون له الحق في اختيار مكوناتها
ما لم يقله السيد الغنوشي ان الشعوب العربية التي ثارت في وجه أنظمتها بحثا عن الحرية والعدالة ضمن منظومه ديمقراطية متكاملة لم تفلح في تحقيق ذلك، وعوضا عنه أعادت انتاج أنظمة شمولية تتمتع بمواصفات كثيرة من الأنظمة السابقة، لكن الفارق اليوم ان الشعوب هي من تعطل الديمقراطية التي تسعى اليها الأنظمة الجديدة، وطالما أن من حق الأنظمة الجديدة اعادة استخدام النموذج السابق فمن حق المواطن اللجوء للحمام الزاجل لنقل رسائله، فكلاهما يبحث في الماضي عن حل لمعضلاته، لكن ما نتمناه الا تخرج علينا فتوى تحرم استخدام الحمام الزاجل لأننا قد نلجأ اليه مستقبلا ضمن برنامج زاجل بوك للتواصل الاجتماعي في محاولة منا لمواجهة الفيس بوك وفلوله، والتي قد يتم اعتمادها من باب التصدي للعولمة، فكم هي الافكار البالية التي يتم اعادة إنتاجها تحت مسميات مختلفة
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت