تشير المعلومات المؤكدة والمتوفرة، بأن ترتيب عملية انسحاب كل الأطراف المسلحة من مخيم اليرموك وجوانبه فشلت حتى الآن، بالرغم من عقد لقاءات يومية بين الأطراف المعنية، ومنها لقاءات الوفد الفلسطيني مع ممثلي الجيش الحر وجبهة النصرة في قاعة النواعير وسط مخيم اليرموك، حيث تمثل الوفد الفلسطيني بسبعة أعضاء، منهم ثلاثة أعضاء مستقلين من أبناء المخيم، وأربعة أعضاء يمثلون عموم القوى الفلسطينية في الساحة السورية (اثنان من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، واثنان من فصائل قوى التحالف الفلسطيني).
وبالطبع فإن نقاط الاستعصاء الرئيسية في هذا المجال تتعدى التفاصيل الصغيرة التي تم تناولها في تلك اللقاءات لتصب في مسار واحد وواضح يتمثل بإصرار قيادة الجيش الحر وجبهة النصرة (كما أبلغتنا المصادر الفلسطينية المشاركة في تلك اللقاءات) في البقاء في مخيم اليرموك انطلاقًا من كونه بقعة سورية وليست فلسطينية في نهاية المطاف، وانطلاقًا من رؤية لها علاقة بموقع مخيم اليرموك بالنسبة لدمشق كونه (أي مخيم اليرموك) يمثل المدخل الجنوبي العريض والحيوي لمناطق حي الزاهرة وحي القاعة وحي الميدان الدمشقي التاريخي، وهو ما يعتبر بعرف الطرف إياه ضرورة استراتيجية في سياق عملية الصراع الجارية في مسار الأزمة الداخلية السورية. فممثلو الجيش الحر وجبهة النصرة يرون بأن مسألة الانسحاب من مخيم اليرموك غير ممكنة على الأقل في الوقت الراهن. بينما أفاد من التقيناه من قيادة الجيش الحر في المخيم بأن انسحاب الجيش الحر من مخيم اليرموك يقتضي منهم ترتيب وضع المخيم عبر تسليمه لجهة فلسطينية أمينة ومؤتمنة (على حد تعبيره)، نافيًا بأن تكون تلك الجهة أي فصيل فلسطيني كما أشيع عندما تحدث البعض عن حركة الجهاد الإسلامي، وهو أمر نفته حركة الجهاد الإسلامي على كل حال، ومشيرًا في الوقت نفسه الى أن الجهة الفلسطينية التي عناها في كلامه، عبارة عن قوة فلسطينية تتبع الجيش الحر، وتحمل مسمى لواء (زهرة المدائن) ولواء (العهدة العمرية).
وبعيدًا عن هذا أو ذاك، فإن الرؤية الفلسطينية التي تم بلورتها في الإطار الوطني الفلسطيني الجماعي (الفصائلي والشعبي غير الفصائلي) تسعى من جديد لإعادة حال مخيم اليرموك إلى ما كان عليه في الفترة التي سبقت دخول الجيش الحر إليه من زاوية بقائه خارج إطار مفاعيل الأزمة الداخلية السورية ولو بالحدود الدنيا التي تسمح باستمرار حياة الناس العادية، وتقطع الطريق على حالة الخروج من المخيم، كما تفتح الطريق لعودة سكان المخيم إلى منازلهم، حيث بات الآن مع استمرار التطاحن العسكري في المخيم أكثر من (85%) من سكانه مشتتين خارج اليرموك. فقد شهد اليوم الأول من العام الميلادي الجديد 2013 م خروج نسبة عالية ممن تبقى من سكان المخيم لخارجه بعد التساقط الكثيف لقذائف الهاون (المورتر) وامتداد الاشتباكات لأكثر من بقعة ونقطة داخل المخيم وعلى حدوده من الجهات المختلفة.
وفي حقيقة الأمر، فإن مخاوف الناس من أبناء مخيم اليرموك (سوريين وفلسطينيين على حد سواء) تتزايد الآن بعد أكثر من أسبوعين على خروج غالبيتهم من المخيم، وتشتتهم في ملاذات صعبة، حيث ارتفاع أجور السكن على يد تُجار الأزمات، وعدم مقدرة الغالبية من الأسر المنكوبة في التغريبة الفلسطينية الجديدة على الاسئتجار أو الإقامة في مناطق (خمس نجوم ولا حتى في مناطق نجمتين) عدا عن حالة الضنك والعسر الشديد وتردي الوضع الاقتصادي لعموم الناس والأُسر ذات المنابت الطبقية المتواضعة.
إن قلق الناس وتوترهم حالة مشروعه خوفًا من استمرار وضعهم الحالي على ما هو عليه في شتاء دمشق وريفها وبردها القاسي، فالعودة لمخيم اليرموك في الوقت الراهن باتت صعبة جدًا ومحفوفة بالمخاطر مع توسع العمليات العسكرية وعمليات القصف بالقذائف المختلفة، ووجود شوارع وأزقة مقنوصة تمامًا لا يستطيع أحد أن يعبرها إلا بمخاطرة ومغامرة قد تودي بصاحبها صريعًا على الأرض.
وعليه، ومن موقع المتابعة اليومية والمعاشة على الأرض، فإن المزاج والمناخ العام لفلسطينيي سوريا وأبناء مخيم اليرموك من سوريين وفلسطينيين (معارضين وموالين) يصرخ الآن للجميع بصوت المصلحة العامة للجميع، وبصوت العقل وحُلم الحِكمة: كفى كفى كفى، أعيدوا لمخيم اليرموك رونقه وزهوته كباحة أمن وأمان في بلد يحتاج ناسه وفقراؤه ومهجروه ومنكوبوه من مواطنيه لتلك الباحة كما كانت في ظل اشتعال مناطق واسعة منه، وقد استقبل مخيم اليرموك أكثر ما استقبلت تركيا والأردن عبر دخول نحو (600) ألف مواطن إليه من مناطق التوتر المحيطة به.
صحيفة الوطن العمانية
تاريخ الخميس 17/1/2013
بقلم علي بدوان
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت