معاناة للتوريث

بقلم: أسامه الفرا


ابو خالد فلسطيني ولد في سوريا بعد لجوء أسرته اليها إبان نكبة فلسطين، لم تكن سوريا خياره لكنه ولد وترعرع فيمنع كنفها، كبر في أزقة المخيم وعينه على موطنه الأصلي وبلدته القريبة من مدينة الناصرة، يعرف الكثير عنها دون ان يراها، لطالما وصف له والده قبل ان ينتقل الى جوار ربه البلدة والحارة والبيت وشجرة الزيتون والجار الذي لم يعد يعرف عنه شيئا، وبين حلم عودته اليها والواقع المحيط به الذي تحدد ملامحه وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين، أخذ ابو خالد يطوي الايام والسنين، ومعها أضاف غربة الأهل الذين فرقتهم الايام الى غربة الوطن ، لكنه حاول ان يستعيض عن ذلك بنسيج مجتمعي من حوله، نجح الى حد ما في ان يكون جزءا من الوطن الذي يقيم فيه
اعتقد ان حياته ستمضي على هذه الوتيرة، الى ان بدات الاحتجاجات في مدينة درعا ومنها أخذت تتسع رقعتها حتى اقتربت من المخيم الذي يقيم فيه، تصرف بما تمليه عليه قواعد الضيف الذي لا ناقة له ولا بعير في كل ما يحدث، حاول ان يقيم في بقعة محايدة بالحد الأدنى من الأمن والأمان، وعندما فقدت تلك البقعة رغما عنها حيادها غادرها دون ان يحمل معه القليل من ذكريات عمره، بحث عن مكان في هذا العالم الواسع يقبل به ضيفا مؤقتا لحين عودة الهدوء الى مخيمه، وثيقة السفر لم تمكنه من الذهاب بعيدا، على الحدود السورية الاردنية وعلى الاراضي الاردنية نصبت مجموعة من الخيام لإيواء الالاف من الفارين من دوامة العنف والقتل في سوريا، حاول ان يخرج من الخيام ليقيم عند شقيقته في عمان فلم يتمكن من ذلك بفعل التعليمات الصارمة، التعليمات مشددة كما هي أحوال الطقس في شدتها، لم يكن بالأمر بالهين على شقيقته ان تزوره في مجمع الخيام، كانت تحضر له ما تيسر من المواد الغذائية، وتحول هذا مع الايام لنشاط تشارك فيه مجموعة من النسوة يعملن على تخفيف معاناة اللاجئين في المخيم الجديد
تحت ضغط صعوبة العيش في الخيام وقسوة الأحوال الجوية قرر ابو خالد العودة الى سوريا، يدرك طبقا لما تتناوله الاخبار ان الامور باتت اكثر صعوبة فيها، وان رقعة العنف طالت كل مكان، وعدد القتلى في تزايد مضطرد، ولا يوجد افق في عودة الهدوء ووضع نهاية لدوامة الموت، رغم كل ذلك فضل العودة الى سوريا على البقاء في خيام لا يتوفر فيها الحد الأدنى من العيش بكرامة، عند عودته الى سوريا لم يجد مساحة محايدة تجنبه ويلات الاقتتال، انخرط في أتون الاحداث يدافع عن ذاته، لم يمض الكثير من الايام حتى وضعت رصاصة نهاية لحياته، ولد ومات لاجئا لم تكتحل عيونه بوطن ينتمي اليه
هل هو شهيد؟ هكذا القت شقيقته بالسؤال، سؤال بقدر ما يبحث عن اجابة مباشرة بقدر ما يفاقم من التشابك القائم لدينا بفعل ما جاء به الربيع العربي، لكنه يميط اللثام عن سؤال اخر، الى متى يدفع الفلسطيني دمه ثمنا لخطايا غيره؟، والى متى يواصل بمعاناته كشف زيف القريب قبل البعيد؟ ذنبه الوحيد انه خرج الى الدنيا بوثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين، تدفعه دوما لان يكون في دائرة الألم والمعاناة، معاناة قابلة للتوريث

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت