كم هو الوقت طويل ليس بالمعنى الزمني ، إنما بانتظار ماسينجـلي من غبار حول قضايا مصيريـة مؤجلة، حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الأســود، أو يتبـدّد الوهم الذي احتار به المتابعون للشـأن الوطني الفلسطيني لرؤية الأمور على حقيقتها كما هي، طالما لم يكن بالإمكان إنتزاع دوراً مؤثراً لهم في صناعة الحدث القادر على التغيير يستطيعون من خلالــه امتلاك زمام المبادرة ، تلك هي الصورة النمطية التي سلكتها النخبة السياسية ثم ترسخّت في ذهنيـة العامة من الناس ، إذ يضعون توقيتات محددة لكل مناسبة يعلق عليها الأمال الكبيرة للخروج من دوامـة المجهول ، سـرعان ماتنتهي إلى الإحباط وأجواء اللامبالاة ،مع هذا ينشغل الســاسة فضلاً عن العامة بأهمية القضايا ذات التأثير المباشرعلى مسار القضية الفلسطينية منها تشكيل الأدارة الأمريكية الجديدة من بين أمور اخرى في دورتها الرئاسية الثانية لعلها تكون أقل تشــدّداً تجاة الإنضباط الصارم في الدفاع عن مخططات الإحتلال العدوانية الهادفة إلى شطب الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني على اعتبار انها ستتحرر من قيود التمديد لولاية جديدة، مع أن ذلك يبدو محط ضرباً من الخيال لكن الأمر يستحق التدقيق بولاءات من يقف على رأس المناصب الوزارية السيادية مثل السناتور "جون كيري"المرشّح السابق للرئاسـة ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس المرشح لشغل منصب وزير الخارجية ، بعد فشل سوزان رايس نيل هذا المنصب بسبب" فيتو" ذوي النفوذ الصهيوني داخل أمريكا ، كما يواجه "تشاك هيغل" المرشح لوزارة الدفاع عاصفة مماثلة من مؤيدي اسرائيل في الحزبين الديمقراطي والجمهوري على حد ســواء بكونة يتمتع باستقلالية معينة أزاء العديد من القضايا الدولية بما فيها الموضوع النووي الإيراني الذي يفضل لغة الحوار الهادىء على لغة التهديد والوعيد، يأتي ذلك في خضـم ذروة الجفاء الكبيرمع الرئيس الأمريكي الذي يكظم الغيظ تجاه رئيس حكومة اليمين العنصري المتغطرس بانحيازه الفاضح لمرشح الحزب الجمهوري "ميت رومني" أثناء الحملة الإنتخابية الامريكية إضافة إلى التراكمات القديمة بينهما ، حيث بدأت تطفو على السطح تسريبات رسائل الأمتعاض التي ابداها الرئيس أوباما أثناء لقاءات مغلقة جمعت نخبة من المقربين إليه بينهم كاتب المقال المثير للجدل "جيفري غولدبرغ" لشبكة بلومبرغ، الذي قال أن الرئيس عبرّعن خيبة الأمل من السياسات الإستيطانية الي ستقود اسرائيل إلى العزلة الدولية الحتمية والتدمير الذاتي ، كما اتهم نتنياهو بالجبن السياسـي تجاه عملية التسوية وأنه لا يعرف مصلحة بلاده على حد زعم الكاتب الذي ختم مقاله بأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية الإستراتيجة لن تتأثر نتيجة الخلافات بوجهات النظر ، مما يؤشر إلى أن توقيت نشر المقال كان محاولة للتأثير على المزاج العام للناخب الإسرائيلي وليس تغييراً جوهريا للسياسات الأمريكية التقليدية التي ستبقى ثوابتها كما هي الحفاظ على أمنها بكونها ليست منوطة برغبات الأشخاص على مختلف ميولهم .
لقد بات في حكم المؤكد فوز اليمين الأكثر تطرفا منذ نشوء كيان الإحتلال حسب كل المؤشرات واستطلاعات الرأي العام الذي يقوده إئتلاف الليكود بيتنا في ظل الجنوح المجتمعي نحو العنصرية والفاشية والكراهية للعرب وتسارع الهجمــة الإستيطانية الإستعمارية بشكل لم يسبق له مثيل حيث أكدت مراكز الرصد عن زيادة الإستيطان اربع أضعاف المعدل خلال العام المنصرم ، بل اضحت الحقوق الوطنية الفلسطينية والتنكر لها بازار نخاسة بين الأحزاب المتطرفة منها من يطالب بسياسة الترانسفير الطوعي للعوائل الفلسطينية مقابل المال ومنها من يدعو إلى ضم الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عام1967 ، الأمر الذي ينذر بأيام قاسية قادمة سيتحدد على ضوئها مسار القضية الفلسطينية مالم يكن هناك وقفة جادّة عاقلة مسؤولة تحسب الحساب لأصعب الأمور تعقيداً بدل أن يكون التدمير الذاتي من نصيب أصحاب الحقوق المشروعة أنفسهم بفعل الإنقسام المدمرللمشروع الوطني .
إن الأجواء المتفائلة التي سادت اللقاءات الأخيرة في القاهرة ووقف الحملات الاعلامية إضافة الى تحديد سقف زمني للشروع ببدء تنفيذ ماتم الاتفاق بشأنه العام الماضي خطوات محمودة لكنها لا تعني بالضرورة التخلي عن المكاسب الفصائلية الضيقة الأفق وطي صفحة الإنقسام بالنظر الى التجارب السابقة خاصة أن الغموض بدأ يكتنف تصريحات بعض الأطراف ربما تكون متضررة من عملية المصالحة الوطنية حول تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة المؤقتة وتأجيل البحث في العديد من القضايا الهامة التي يمكن أن تعيد الأمور الى نقطة البداية ، لذلك ينتظر الشعب الفلسطيني الذي أوهنته السياسات العدمية بفارغ الصبر انجازاً حقيقيا يعيد إلية روح المقاومة والصمود لمواجهة التحديات الخطيرة التي يفرضها واقع الاحتلال .
إن المطلوب من اجتماع الإطار القيادي الفلسطيني المزمع عقده في الثلث الأول من فبرايرالقادم بالعاصمة المصرية القاهرة إضافة الى الشروع الفوري بتنفيذ الإتفاقات السابقة دون الرجوع الى مربع الحوارات ، ضرورة المراجعة السياسية للخطوات الفلسطينية القادمة بعد ان نالت فلسطين مكانة الدولة غير العضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة وما يترتب عليها من إجراءات تستند إلى الواقع الجديد إذ لايمكن الحديث عن انتخابات تشريعية للسلطة بينما الغالبية الساحقة من العالم اعترفت بمكانة الدولة الفلسطينية التي ينبغي تجسيدها على أرض الواقع ضمن اطار مؤسسات دولة كل الفلسطينيين اينما تواجدوا، بما في ذلك الإنتهاء من إعداد الدستور والإنضمام إلى كافة الوكالات الدولية في مقدمتها محكمة جرائم الحرب الدولية ،كما ينبغي العمل مع كل الجهات الدولية على رعاية حقوق اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية في المخيمات والمنافي وتجنيبهم الصراعات الداخلية للدول وتأمين الحماية لهم لحين عودتهم الى أرضهم وديارهم التي شرّدوا منها .
إن البحث عن مخارج للازمة في ثنايا الوقت ماهو إلا عبث دونما جدوى قد يؤدي الى مالا تحمد عقباه لذلك ينبغي استنهاض الطاقات الكامنه لدى شعبنا وتصعيد المقاومة الشعبية بكافة اشكالها واستنباط الوسائل الكفيلة القادرة على التصدي لقطعان المستوطنين الذين يستهدفون الأرض والإنسان الفلسطيني بحماية جيش الإحتلال ، لن تسترد الحقوق بغير الكفاح الوطني الدؤوب القادر على الصمود وصنع الحياة من خلال ابواب الشمس والكرامة وباب العودة الى فلسطين التاريخ والجغرافيا والشهداء............
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت