موجة من التشاؤم تخيم على مسار الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، فهناك لا مبالاة في توقعات نتائج هذه الانتخابات، وتأثيرها على الأوضاع السياسية والأمنية والحياتية للمواطنين في إسرائيل، فالاحتلال للأراضي الفلسطينية يتعمق، والهجمة الاستيطانية مستمرة بحيث تقضي على أي أمل في حل الصراع العربي-الإسرائيلي، وحسب أقوال بعض المفكرين الإسرائيليين، فإن هذا التعمق من شأنه القضاء على المشروع الصهيوني، ويقود إلى نهاية الدولة العبرية، حيث أن الوضع الديمغرافي سيكون لصالح الفلسطينيين خلال وقت ليس ببعيد، وأن عدم تقدم مشروع حل الدولتين سيؤدي إلى قيام دولة ثنائية القومية، تقضي على الطابع اليهودي للدولة، وهناك من يقول من بين المفكرين الإسرائيليين، بأن عدم حل مشروع الدولتين، لن يؤدي إلى الدولة ثنائية القومية، بل إلى دولة عربية على جميع الأراضي الفلسطينية الانتدابية، وعلى الرغم من تحذيرات قيادات إسرائيلية للسياسة التي ينتهجها اليمين الإسرائيلي برئاسة "بنيامين نتنياهو"، فإن أحداً لا يصغي إلى هذه التحذيرات.
لقد تفاجأ الإسرائيليون من التقارير التي أعلن عنها حول حجم العجز المالي للحكومة الإسرائيلية من موازنة عام 2012، والذي بلغ نحو (39) مليار شيكل، أي ما يعادل أكثر من عشرة مليارات دولار بقليل، علما بان الموازنة السنوية العامة لإسرائيل بلغت لعام 2012 (365) مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 91 مليار دولار، منها (55) مليار شيكل موازنة وزارة الجيش، أي ما يعادل 13.5 مليار دولار، ومع أن المواطنين الإسرائيليين غير مكترثين بهذا العجز المالي الكبير، إلا أنهم هم الذين سيدفعون بدل هذا العجز، من إجراءات اقتصادية مشددة، وتقليص موازنات الوزارات على حساب الخدمات العامة، وفي زيادة قيمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وموجة غلاء تشمل جميع مجالات الحياة، وتقليص 20% من مخصصات الأولاد، وإقالة آلاف الموظفين من القطاع العام، وتأجيل مشاريع في مجال البنى التحتية، إلى غير ذلك من الإجراءات.
إن النقاش الذي يدور حالياً في إسرائيل عن أسباب هذا العجز له أسباب عديدة، فرئيس الوزراء السابق "ايهود أولمرت"، يتهم حكومة "نتنياهو" بإهدار المال على مغامرات مجنونة، تحت ذريعة الخطر النووي الإيراني، وإنفاق (11) مليار شيكل على أمور معينة، لم يكشف عنها، ولم يجر تنفيذها، والمقصود ضرب إيران، فقد أثارت سياسته فزع الإسرائيليين والعالم، وأنه في نهاية المطاف لا شيء - حسب "أولمرت"- إضافة إلى ذلك، شراء غواصات لا لزوم لها بقيمة (500) مليون يورو، رغم تحفظ الجهاز الأمني الإسرائيلي من اقتنائها، حتى أن قائد سلاح البحرية عارضها، إلا أن "نتنياهو" أرادها من أجل تمجيد العظمة، ولإرضاء نزوات شخصية -حسب "أولمرت"- فإن النفقات الخيالية على التسلح وعلى الحرب والاستيطان أوصل إسرائيل إلى كارثة اقتصادية، ففي استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجراه معهد "مانلس" أفاد بأن 63.7% من الإسرائيليين، يطالبون بتقليص ميزانيات البناء الاستيطاني على رأس التقليصات، في مواجهة العجز المالي، كذلك تقليص موازنة الدفاع، وموازنة البنية التحتية.
لقد انهالت الاتهامات على "نتنياهو" من كل حدبٍ وصوب، فرئيس الدولة "شمعون بيرس" اتهم "نتنياهو" أنه خلال ولايته القادمة سيقود الحكومة باتجاه الحرب، وأن الكارثة ستحل بإسرائيل، وأن بيرس لا يقبل الزعم القائل بأن الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" ليس شريكاً جيداً للمفاوضات، بل أنه شريك ممتاز، فالهدوء الذي تمتعت به إسرائيل في الآونة الأخيرة -حسب "بيرس" - لن يستمر طويلاً، وسيلصق العالم بإسرائيل وصم الدولة العنصرية، وسيعاني الاقتصاد الإسرائيلي معاناة صعبة، وسيكون عام 2013 عاماً عاصفاً على إسرائيل.
إن أحد أبرز الأدباء الإسرائيليين "عاموس عوز"، هاجم سياسة "نتنياهو"، واتهمه بأنه-في حال عدم التوصل إلى حل الدولتين- لن تقوم دولة ثنائية القومية، بل دولة عربية واحدة هي فلسطين، وأن حكومة "نتنياهو" توجه الضربات الواحدة تلو الأخرى للرئيس الفلسطيني، ضربات معنوية وسياسية ومالية، تقوي حركة حماس، وهذا ربما متعمد من أجل منع قيام دولتين، وإذا كانوا يعتقدون أنه بإمكان اليهود السيطرة هنا، على أغلبية عربية طوال الوقت، لتصبح إسرائيل دولة ابرتهايد، لكن مثل هذه الدولة، لن تعمر طويلاً من دون أن تنهار بعد سنوات قليلة، فـ "نتنياهو" أضاع جميع فرص السلام، وخلق جموداً سياسياً لأنه لا يريد حل القضية الفلسطينية، وادعاءات نتنياهو السلمية، ينفيها ما يقوم به على الأرض.
إن ما نقله الصحفي الأميركي البارز "جيفري جولدبرغ" من أقواله خاصة منسوبة للرئيس "أوباما"، بأن إسرائيل لا تعلم ما هو جيد لها، وأن "نتنياهو" يقود بلاده إلى مزيد من العزلة بكل مستوطنة جديدة تقوم بالضفة الغربية، ووصفه لـ "نتنياهو" بالجبان السياسي الذي لا يعمل من أجل السلام مع الفلسطينيين، ويقود إسرائيل إلى المجهول، إلى غير ذلك من الاتهامات، دفعت حزب الليكود للتجند للرد عليها حيث اتهموا "أوباما" بالتدخل في الانتخابات الإسرائيلية، وأنه –"أوباما- يريد الانتقام من انحياز "نتنياهو" لصالح المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية الأخيرة "ميت رومني"، وأن "أوباما" وقع تحت تأثير الرئيس "شمعون بيرس"، فهناك دعوة في إسرائيل تقول "أنصتوا لأوباما"، لكن نتنياهو رد على الرئيس الأميركي بالمزيد من البناء الاستيطاني، و"نتنياهو" يتصدى قائلاً:" مواطنو إسرائيل هم الذين يقررون مصيرهم"، أي ليس أنت يا "أوباما".
ومع كل هذه الاتهامات السياسية لـ "نتنياهو"، من الداخل ومن الخارج، وأن ما أوردناه غيض من فيض، فإن "نتنياهو" بات من المؤكد أن يبقى رئيساً لوزراء إسرائيل لولاية جديدة، ومع أن حزب الليكود-بيتنا في تراجع من حيث عدد المقاعد، إلا أن خياراته في تشكيل الحكومة القادمة مفتوحة على مصراعيها، وأن خياراته كثيرة، ما بين تشكيل حكومة يمينية، أو حكومة مطعمة مع أحزاب الوسط، أو حكومة وحدة وطنية، أو حكومة طوارئ في ضوء أوضاع إسرائيل الأمنية والمالية، يبقى "نتنياهو" الزعيم الأوحد، رغم جميع الأوضاع والتحذيرات، وما تتعرض له القيادة الإسرائيلية، فقد وصل الأمر به، إلى أن تصطف الأحزاب الإسرائيلية بالدور أمامه ليقبل بضمها إلى حكومته، وللحصول على الحقائب الوزارية المفضلة، إذ أن الأحزاب الإسرائيلية لا تستطيع البقاء في صفوف المعارضة، بل أن همها وجودها في الحكم، لكن هناك تناقضات كثيرة في جميع هذه الأحزاب أو بعضها لتجتمع في حكومة واحدة لتبقى إسرائيل أمام مشاكل داخلية وخارجية صعبة لا تعرف كيف الخروج منها، لتبقى الأزمات الإسرائيلية متواصلة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت