عنتريات

بقلم: أسامه الفرا

حواديت ...
عنتريات
ظاهرة العنتريات لا تقتصر فقط على الأفراد والجماعات التي تحاول أن تتمرد على القانون والنظام، وتجد لنفسها مساحة تعمل من خلالها لما يحقق أغراضها ومصالحها الذاتية بعيداً عن المصلحة الوطنية، التي في كثير من الأحيان تتعارض معها وإن التقت معها أحياناً بشكل مؤقت، بل أن مفهوم العنتريات قد نجده في تغول الحكومة على الشعب، حين يغيب العمل المؤسساتي ومعه تتهاوى المنظومة القانونية التي تحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حينها تجد الأجهزة الأمنية فرصتها في إبراز مواهبها العنترية وانتهاك حقوق المواطن حتى وإن حاولت أن تغلف عملها ذلك بالمصلحة الوطنية، والعنتريات قد تتوسع لتصل إلى الدولة ذاتها في علاقتها مع العالم المحيط بها، ولعل التاريخ الحديث يسجل لإسرائيل الريادة في ذلك، قبل أن تمارس الولايات المتحدة هذا الدور على نطاق واسع بعد سقوط المنظومة الاشتراكية، فيما بات يعرف بشرطي العالم، الشرطي الذي لا يبحث عن تحقيق الأمن والأمان لدول المعمورة بقدر ما يرغمها على الانصياع لإرادتها.

على أي حال عنتريات اليوم ليس لها علاقة بذلك الشاب الأسود "عنترة بين شداد" الذي لم يكن يطمح من وراء قوته سوى انتزاع اعتراف والده به، وعليه وبغض النظر عن شكلها وحجمها وماهية سلوكها لم تعد العنتريات مقبولة من جانب المواطن، ولا يجد فيها سوى استعلاء للقوة وتراجع للقانون، ولعل هذا يقودنا إلى الحديث عن ظاهرة العنتريات التي شهدها قطاع غزة خلال الانتفاضة الأخيرة، والتي وإن أخذت في مجملها مقاومة الاحتلال عنواناً لها، إلا أنها نجحت بجدارة في نهش عظام القانون والنظام، حين تكررت ظاهرة الاعتداء على المؤسسات تحت ذرائع وحجج تثير الحنق تقف المصالح الذاتية الضيقة خلفها، والتي أضرت كثيراً بنا، وحصدت حركة فتح القسط الأكبر من تداعياتها السلبية، وكان ذلك واضحاً في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.

في الأيام السابقة شهدت بعض مخيمات الضفة الغربية إعادة لذات المشهد، حيث مجموعة من الشباب المسلح تطلق النار في الهواء، ليلتقط الإعلام صورة كأنها من الماضي القريب، وإن حاول المسلحون الوقوف تحت يافطة "مقاومة الاحتلال"، إلا أن القراءة الواقعية للمشهد تعيدنا إلى مشهد سابق صورة طبق الأصل، حيث أن مقاومة الاحتلال لا تتطلب إطلاق النار في الهواء إيذاناً بها، ولا تأتي من خلف استعراض بالأسلحة تحت بصر ما يمتلكه الاحتلال من تقنية ترصد بها المتحرك في الساحة الفلسطينية، إن كنا نرى في ذلك شكلاً من أشكال العنتريات، إلا أنها في الوقت ذاته تؤكد على حالة الترهل التنظيمي وغياب الرؤية المتفاعلة مع الوقائع على الأرض القادرة على احتواء الكل ضمن مفاهيم محددة تكون بوصلتها المصلحة الوطنية، دون لي ذراع الحقيقة التي بات يدركها الجميع.

كان من الأجدر معالجة الأمر ضمن الأطر التنظيمية، ولكن من الواضح أن غيابها أسهم في ميلاده، ودفع الأجهزة الأمنية لرد فعل يحمل في طياته ملامح العنتريات التي تبحث عنها، فلا يمكن لنا أن نفهم التهديدات التي أطلقها البعض المتجاوزة للقانون إلا ضمن سياق العنتريات، إن كنا نؤكد على أن تجاوز القانون من قبل المواطن مرفوض جملة وتفصلاً، فهو أيضاً مرفوض من قبل الأجهزة الأمنية بنفس القدر، وإن كان ما شهدته بعض مخيمات الضفة الغربية "جنين وبلاطة" في الآونة الأخيرة يمكن تصنيفه تحت عنوان العنتريات الغير مقبولة، فمن المؤكد أن رد الفعل جاء تحت ذات العنوان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت