امام الحديث عن المصالحة الفلسطينية اردت ان اتوقف لان هذا الحديث اصبح مكرر في ذهن كل وطني فلسطيني، وخاصة بعد حالة الاحباط واليأس التي وصلنا اليها نتيجة هذه النغمة المكررة في ظروف باتت فيها وحدة شعبنا السياسية والمجتمعية مهددة بالفعل بعوامل التفكك والانقسام والصراع على المصالح الفئوية بصورةٍ غير مسبوقة في تاريخنا الحديث والمعاصر.
ولهذا فاننا نرى اليوم نتائج الانتخابات في الكيان الاسرائيلي، وما نتج عنها من فوز لقوى التطرف التي تم تجميعها من مختلف جهات الأرض لإقامة دولة يهودية عنصرية على أرض فلسطين ، تتحدى الأمة العربية بطبيعتها العدوانية، وتصاعد وجرائم احتلالها لأرض فلسطين وألاراضي العربية المحتلة في الجولان ومزاراع شبعا في لبنان ، وهذا مما يتطلب توحيد جهود كل الشرفاء والاحرار بالعمل الجدي لدعم الشعب الفلسطيني ونضاله وصموده على ارضه .
اننا اليوم ونحن نتطلع الى الحوارات الجارية والتصريحات والمواقف نشهد في هذه اللحظة ، اذ بقيت الامور على حالها مشهد زاخر بعوامل التفكك والانفصال بين الأهداف الوطنية التي ناضل وضحى من أجلها شعبنا الفلسطيني، وبين الأهداف والمصالح الخاصة ، بحيث يمكن الاستنتاج ، حيث للأسف نقدم للشعب الفلسطيني أسوأ صورة ممكنة عن حاضر ومستقبل الوضع الفلسطيني المحكوم ، بصورة من عوامل القلق والإحباط واليأس ، وخاصة ان هناك خشية من أن يتم تجميد كل ما له علاقة بموضوع المصالحة.
ونحن نتطلع الى خطاب او تصريح لهذا المسؤول او ذاك سواء من قيادتي فتح او حماس الا وافرد المتحدث حيزا كبيرا للحديث عن الوحدة الوطنية والوفاق الوطني ورأب الصدع الداخلي ونبذ الشقاق والتشرذم وغيرها من المفردات التي يحفل بها قاموسنا السياسي الفلسطيني، هذا الى جانب الحديث عن تبعات الانقسام وتداعياته وانعكاساته على الشارع الفلسطيني وعلى انجازات شعبنا وقضيتنا الوطنية بشكل عام.
امام هذه الاوضاع ونحن ننتظر بفراغ الصبر اواخر شهر كاون الثاني وبعد ان راينا تتزايد بشاعة ممارسات العدو الصهيوني وحصاره بعد الانتخابات الصهيونية، يجب علينا الاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية حتى تشكل نقطة مضيئة في تاريخ شعبنا المقاوم وهي إضافة كبيرة إلى إغناء هذا التاريخ بصفحة جديدة مشرقة من صفحات النضال ،وهذا بكل تأكيد بحاجة الى بلورة مشاريع ومبادرات وطنية وسياسية تقرب المسافات بين الجميع وتعمل على تذويب الخلافات بين أطراف العملية النضالية والسياسية بعيد عن الإصطفافات ، كما لا بد من صياغات جديدة تتلاءم بمواجهة طبيعة الدولة الصهيونية، ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي لا يستهدف فلسطين فحسب، بل يستهدف بنفس الدرجة ضمان السيطرة الإمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره ، وتكريس تبعية وتخلف وإفقار بلدانه وشعوبه.
لا شك ان فصائل العمل الوطني مطلوب منهم اليوم واكثر من اي وقت مضى الإجابة عن السؤال الأكثر الحاحا وهو توصيف المرحلة فلسطينيا ، وخاصة اننا ما زلنا في مرحلة التحرر الوطني مما يتطلب برنامج سياسي قادر على استيعاب الجميع، ويضع المصلحة الفلسطينية فوق كل اعتبار، ويكون موحدا للفصائل وللشعب على أهداف التحرير والعودة وإعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير على أسس سياسية وتنظيمية جديدة وشراكة حقيقية.
الامر المحزن في موضوع الوحدة هو السيناريوهات التي تكررت اكثر من مرة قبل وخلال وبعد كل جولة حوارية فكلما اقتربنا خطوة من الوحدة وتفاءلنا خيرا بلقاءات المصافحة والمجاملة والابتسامات العريضة في القاهرة وازدحمت صفحات الصحف وشاشات الفضائيات بالصور والقبل وبشائر الخير كلما عدنا خطوتين الى الوراء عندما يصل الحوار الى طريق مجهول حيث تبدأ الحرب الاعلامية والتراشق الكلامي المدعومة بعقلية الاسقاط التي تتقنها وسائل الاعلام الحزبية بحيث يلقي كل فصيل باللائمة على الفصيل الآخر وبحيث تضيع الحقيقة امام كثافة التلاسن المتبادل بين الطرفين عبر شاشات التلفاز او على صفحات الصحف والمدونات الالكترونية.
ليس هذا هو المهم ونحن نرى الشعب الفلسطيني يحقق ببطولاته ما لا يحققه القادة في باب شمس والكرامة ، وهو يقول ارفع رأسك يا أخي فأنت فلسطيني.
ان الشعب الفلسطيني لا يزال يتعرض لأبشع أشكال العدوان والتصعيد الصهيوني الخطير وغير المُبرر، حيث ما زالت حكومة الاحتلال تمعن بشكل سافر في تنفيذ سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وتمارس أعمال القتل والتدمير والاعتقالات والإبعاد والعزل، وتواصل مصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات غير القانونية وغير الشرعية عليها، وإقامة جدران الضم والعزل العنصري داخل الأراضي الفلسطينية، وتعمل على تهويد القدس ومقدساتها وعزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي، بالإضافة إلى أنها لا زالت تحتل كافة مناطق الضفة الغربية وتمارس أبشع الانتهاكات فيها مع حصار ظالم، مما يزيد ويفاقم الأوضاع الكارثية ويعمّق المعاناة فيه.
امام كل ذلك نرى ان الاستحقاقات الوطنية الفلسطينية والحفاظ على الثوابت الوطنية في النضال اصبح من الأهمية بمكان ، وهذا يتطلب من ااشعب الفلسطيني نزع كل عناصر التعطيل، حيث أن أخطر ما يواجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الحاسمة والخطيرة من نضاله الوطني هو "الانقسام الفلسطيني الداخلي"، الأمر الذي يتطلب نوايا الصادقة أولاً وتضافر كل الجهود الوطنية المخلصة ثانياً، للعمل الجاد على إنهاء الانقسام الفلسطيني لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية التي تعتبر البوتقة الأساسية لوحدة الطاقات والإمكانيات الفلسطينية والحاضنة الكبرى للنضال الوطني الفلسطيني المستمر لاستكمال المشروع الوطني الفلسطيني في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير، وحق العودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
وعلى كل حال فان اجتماع الهيئة القيادية العليا لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية امامها مهمة تطبيق اتفاق المصالحة، واذا اراد البعض الهروب من ذلك فيجب ان يعلم الشعب الفلسطيني من المعرقل ، كما يتطلب وضع برنامج وطني جامع من خلال ترتيب الأولويات الوطنية، وحتى لا تتبدل الوسائل إلى أهداف، فالوحدة الوطنية وسيلة من وسائل النضال الوطني الفلسطيني المستمر لبلوغ الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني،
ختاما : لا بد من القول المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتوحيد الصف الوطني بكل قواه وفصائله ضمن إستراتيجية نضالية موحدة، وإعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية على أسس تحمي الثوابت والحقوق الوطنية، وتحقق تطلعات شعبنا ينبغي أن يكون استراتيجية ثابتة وليس تكتيكا سياسيا ينسف كل جهود وتضحيات الفلسطينيين من أجل التحرير والعودة.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت