أنهى البيت الأبيض المراسم البروتوكولية الإحتفالية البرّاقة ألقى خلالها الرئيس أوباما خطاب التنصيب لاتنقصه قدرة البلاغة الكلامية أمام حشد غفير من الجمهور الأمريكي لكنّه خلى من الإلتزامات الدولية المعهودة كما فعل في عهده السابق ، إيذاناّ بساعة البدء لعمل الإدارة الأمريكية الجديدة في دورتها الرئاسية الثانية خلال الأربع سنوات القادمة وسط أجواءٍ مليئة بالتحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية ليس على المستوى الداخلي حسب ، بل تجاه ملفات الصراع الساخنة في مقدمتها القضية الفلسطينية التي لم تجد طريقا للحّل نتيجة اختلال موازين العدل والإنحياز الفاضح لطغيان القوة الغاشمة المبني على سياسة الكيل بمكيالين عند تعلق الأمر بقضايا الشعوب المقهورة التي تكافح لنيل حريتها ضد أخر استعمارعرفه التاريخ المعاصر ، حيث يتمّ تجاهل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالشأن الفلسطيني لما لها من أهميةٍ وتأثير بالغٍ يمكن أن يقوّض أسس السلم والأمن الدوليين، بعد تراجع الرئيس أوباما عن رؤيته النرجسية للعالم الجديد الذي يسوده روح التعاون والشراكة ونزع فتيل بؤر التوتر أبان الفترة الرئاسية الأولى ثم هوى إلى منزلق خطير عبّر عنه بالقول أنه يفتخر بأن يكون الريس الأكثر التزاماً بأمن اسرائيل وضمان مستقبلها ، على حساب حقوق الأخرين ولا زالت مواقفه ثابتة على الجانب الخطأ من التاريخ ، كما أسدل الستار على بازار الإنتخابات العامة للكنيست الإسرائيلي حيث جرت رياحها بما لاتشتهي سفن نتنياهو، إذ أظهرت الخارطة الحزبية النهائية حالةً استثنائية غير مسبوقة تؤشر على تعادل المعسكرين من الناحية النظرية المجازية ، بين إئتلاف الليكود بيتنا وبقية الأحزاب اليمينية المتطرفة المتحالفة معه الذين عزفوا على أوتار العنصرية والفاشـية ضد العرب من جهه ، وبين قوى اليسار ويسار الوسط بما في ذلك القوائم العربية الثلاث داخل مناطق فلسطين المحتلة عام 48 الفائزة بحوالي أحد عشر مقعداً من جهةٍ أخرى ، مما يدّل على الفشل الذريع الذي مني به اليمين المتطرف بقيادة "نتنياهو ليبرمان" اللذان سعيا بكل الطرق والحماقات لأجل تحويل الأنظار عن الأزمة الإقتصادية الإجتماعية الخانقة حيث تقدر الأوساط الإقتصادية المختصّة العجز المالي الحكومي السنوي زهاء أحد عشر ملياردولارأمريكي نتيجة الإنفاق الجنوني على المستوطنات والجيش والإذعان لمطالب الجماعات الدينية المتزمتّه مما يعني توقّّع ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وازدياد حالة الفقر وفرض المزيد من الضرائب تكون ضحيتها الطبقة المتوسطة وبالتالي لم يجد نتنياهو من بدّ سوى الهروب نحو فزّاعة الخطر الأمني الخارجي وافتعال الحروب العدوانية لعلها تنقـذه من المأزق الراهن ، غيرأن القراءة الموضوعية للنتائج وتأثيراتها السياسية لاتظهر على الإطلاق تغييراً جوهريا يذكر تجاه القضية الفلسطينية إذ تتفق معظم الأحزاب الصهيونية على ثقافـة شبه موحدة خلاصتها التنكر للحقوق التاريخية الوطنية والسياسية الفلسطينية بالرغم من محاولات تضليل المجتمع الدولي حول رغبتها بالسلام وفق شروطها التعجيزية التي تقضي على أي إمكانية حقيقية لاستئناف عملية التسوية وبالتالي أضحت نواياها مكشوفةً للجميع ، الأمر الذي يدلل على استمرار الوضع الراهن كما هو عليه أي المماطلة والتسويف وفرض سياسة الأمر الواقع في حين تتسارع الهجمة الإستيطانية المسعورة في محيط مدينة القدس ومنطقة الأغوار وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية قطعةً تلو قطعة ثم يتم هضمها في دوامةٍ ليس لها حدود خاصةً أن "نتنياهو" لازال المرشح يكاد يكون الوحيد لإعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة خلال ستة أسابيع في ظل غياب منافس حقيقي ، وإن كانت ستبدو الحكومة المحتملة ضعيفة خاضعة للإبتزازمن قبل الأحزاب المختلفة مما يبقي احتمال حّل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة أمراً وارداً على الدوام ،إن صعود حزب "هناك مستقبل" الوليد منذ اشهر قليلة بقيادة الصحفي "يائيرليبيد" قد فجّر مفاجأة مدوية لحصوله على المركز الثاني بتسعة عشر مقعداً متجاوزاً حزب العمل وأحزاب كبيرة تعتبر عريقة بالمقياس العام الداخلي نتيجة خوضه الإنتخابات تحت شعار العدالة الإجتماعية والمساواة مع أنه لايملك رؤيا سياسية واضحة، يؤكد بما لايدع مجالا للشك مدى عمق الأزمة المجتمعية وفقدان الثقة بهذه الأحزاب ، لقد بات المشهدالسياسي واضحاً وضوح الشمس أمام أصحاب الرأي الناصح بشدةٍ ضرورة تأجيل الخطوات الفلسطينية المترتبة على استحقاقات المصالحة الوطنية وكذلك التروي بالإنضمام الى الوكالات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة بما فيها محكمة الجنايات الدولية إلى مابعد انتهاء الإدارة الأمريكية تشكيل اركانها الجديدة وكذا الإنتخابات العامة للكنيست، حيث تؤكد الوقائع الملموسة أن السياسات الأمريكية لن تخرج عن سياقاتها التقليدية المنحازة كلياً للمخططات الإحتلالية بغضّ النظر عن التوتر الذي يشوب علاقة الرئيس الأمريكي مع رئيس حكومة الإحتلال على خلفية دعم الأخير للمرشح الجمهوري الخاسر في الإنتخابات الأمريكية حيث اعتبره البعض مجرد سحابة صيف عابرة لا تؤثر على علاقات الشراكة الإستراتيجية بين البلدين ، تجلى ذلك بالسلوك الإستفزازي للمندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة حيث لم تتحمل رؤية وجود وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني لحضور أحد جلسات المجلس بصفته يمثل دولة فلسطين حسب قرار الجمعية العامة تحت ذريعة أن الولايات المتحدة لاتعترف بدولة فلسطين ، وكأن مجلس الأمن أضحى ملكاً لأسياد "سوزان رايس" الذين نبذوها على الملأ لقطع الطريق عليها منعاً لوصولها إلى منصب وزيرة الخارجية ، إذن هي ساعة نهاية الذرائع بداية الحقائق ، التي تحتم على جميع الفصائل والقوى المجتمعية الوقوف أمام مسؤولياتهم التاريخية لمواجهة التحديات الصعبة في ظل إدارة الظهر العربي للقضية الفلسطينية إما لانشغالها بمفاعيل التحولات الداخلية الجارية في المنطقه أو لضلوعها المباشربالمخططات المريبة التي تعزّزالإنقسام من خلال تحركات الأيدلوجيات العابره للحدود وفرض ازدواجية التمثيل الفلسطيني الغرض الظاهر منها التضامن مع الشعب الفلسطيني بينما تتعدى حقائق الأمور هذه الغاية نظرا للطريقة الملتوية التي تتم بها ، الردالحقيقي المطلوب على غطرسة الإحتلال والتطاول على الحقوق الفلسطينية يتطلب في المقام الأول الخروج من دائرة الأقوال المتفائلة إلى دائرة الأفعال الفورية لتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية دون مواربة أو مماطلة ليس لإدارة الأزمة أو المحاصصة، بل للخروج باستراتيجية مواجهة وطنية تعيد المشروع الوطني إلى ألقه الذي يستحق بما يتناسب مع حجم التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الفلسطيني على طريق الحرية والعودة ............
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت