الثورات العربية بعد عامان اسبابها ونتائجها وتداعياتها على فلسطين والمنطقة

بقلم: عباس الجمعة


عامان مضت على اندلاع الثورات العربية التي رفعت شعارات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واسقاط انظمة الاستبداد ، فكانت الشرارة من تونس ومصر وبعدها الى اليمن وليبيا والبحرين ومن ثم سوريا ، ولكن الغضب الشعبي يشتعل أكثر، ضد من سرق أحلام جماهير "الربيع العربي، واليوم سارقوه عاجزون عن تحقيق آمال وطموحات الجماهير التي ثارت وانتفضت.
ان ما نراه اليوم من نتائج وتداعيات يؤكد بان الأيام المقبلة ستشتد بغضب الجماهير واحتدام الصراع، والمرحلة الإخوانية في "الربيع العربي" بدأت باكراً تحمل بذور سقوطها وفقدانها للمشروعية التاريخية، لأن التغيير نحو الأفضل هو ما أرادته جماهير مصر وتونس، والثورة هي التغيير نحو الأفضل وليس العودة إلى الوراء، أو العيش على أوهام ، وما نراه من قمع للجماهير وسقوط المزيد من التضحيات والدماء، يدلل على ان المشروع الامريكي الاخواني والمتحالفين معه سيفشل بارادة الجماهير وقواها الحية
إن تنوع سيناريوهات التغيير، يحب ان يدركه الجميع وهو أن المنطقة دخلت في مرحلة تاريخية جديدة لم يعد من الممكن فيها استمرار مصادرة حقوق الشعوب وحرياتها.
ان القوى الاستعمارية يتواصل مع حلفائها، في المنطقة، من جانب آخر، العمل، في مصر وغير مصر وتونس وغيرها من الدول، على عرقلة هذا التحول ومنع وصوله إلى حالة متطورة ومستقرة لسيادة الشعوب على أوطانها، خاصة بعد أن كانت هذه القوى قد استفادت لعقود طويلة من وجود أفراد أو قلة صغيرة من أصحاب السطوة في بلدان المنطقة، يمكن التعامل معهم بسهولة أكبر وبمطواعية، سواء من خلال الترغيب والتوظيف أو من خلال الابتزاز والترهيب، أو بمزيج منها كلها. وهذه القوى الاستعمارية تدرك تماماً أن التعامل مع شعوب حرة، تدافع أولاً وقبل كل شيء عن مصالحها العامة وعن مستقبل أوطانها، أصعب بكثير، وأن لا ضمان لمصالح هذه القوى الخارجية إلا بمقدار التجاوب المقابل مع مصالح شعوب المنطقة نفسها، على قاعدة ما عُرف في نهاية القرن المنصرم بـ«توازن المصالح». وفي النهاية، عندما ينضج التحول في بلدان المنطقة، ويترسخ المنحى العام له، لا مفر لهذه الأطراف الخارجية من التعامل مع هذا الواقع الجديد وفق قاعدة التوازن هذه.
ان معركة شعب فلسطين لم تكن مفصولة عن نضال شعوب المنطقة، التي اختارت، أن تكسر الأطواق من حولها، بعد أن كانت، في حقبة التبعية والاستسلام، قد خرجت من التاريخ، وما نراه الآن من تطورات يشير إلى أن هذا الخروج كان خروجاً ظرفياً، وأن الطريق بات الآن مفتوحاً أمام العرب للعودة من جديد إلى التاريخ، الذي كانوا في الماضي، من صنّاعه.
ان ما يجري في المنطقة يستغله الكيان الصهيوني في الظروف الفلسطينية والعربية والدولية، حيث الانظار والإعلام والفضائيات كلها مسلطة على المستجدات والمتغيرات الخطيرة التي تعصف بدول ما يسمى الربيع العربي وبالاخص في مصر وسوريا، ما يعتبر فرصة ثمينة لرفع وتيرة الاستيطان، وجرائم التطهير العرقي، واستباحة الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية، وها هي حكومة الاحتلال العنصرية بعد انتخبات الكنيست الصهيوني تطلق العنان لرعاع المستوطنين ليعيثوا في الارض المحتلة خرابا ودمارا، فيروعون المواطنين الفلسطينيين وهم يقومون باحراق السيارات، واقتلاع اشجار الزيتون، والاغتيال والاعتقال .
ان سياسة الاحتلال القائمة على اغتصاب الحقوق الفلسطينية والقضاء على كل أحلام الشعب الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة والمتصلة جغرافيًّا، بعد ان تم التوافق على تكوين قوى دينية سطت على الثورات العربية من قبل قوى الاستعمار القديمة ـ الجديدة بتحريض من كيان الاحتلال الصهيوني وسعيا منها لتمكينه في المنطقة، بالرغم من كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني من عمليات الإرهاب والتشريد والتعذيب والقتل والمعاناة على يد الاحتلال ، إلا أن كل هذه الممارسات العدوانية، المستمرة إلى يومنا هذا، في سياق الصراع التاريخي الوجودي مع العدو الصهيوني، لم تنجح في اقتلاع هذا الشعب من أرضه بالكامل، وفق المخططات التي رسمت لهذه الغاية.
إن كل الشواهد تؤكد على حقيقة حتمية أن المنطقة تشهد إعادة صياغة وإنتاج للدور الأمريكي خاصة بعد احتلال العراق ويساهم فيه العديد من اللاعبين، هدفها وسائل احترافية في تغير مطالب الشعوب نحو دائرة مغلقة مظلمة دون أي بصيص من النور يوضح معالمها.
ان برامج قوى الثورة تتطلب استعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وفق قواعد النضال الوطني باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي صهيوني من الدرجة الأولى، لان الدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود الامبريالي في الوطن العربي، ووجودها حاسم لاستمرار السيطرة الامبريالية، وضمان استمرار التجزئة والتخلف ، ولا شك في أن هذه المهمة هي أولاً كل قوى حركة التحرر في فلسطين والوطن العربي، وفي طليعتهم القوى الديمقراطية المناضله من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض فلسطين .
بالرغم من كل ما تعرض له أبناء شعبنا الفلسطيني من عمليات الإرهاب والتشريد والتعذيب والقتل والمعاناة على يد الحركة الصهيونية والقوى الإمبريالية منذ بداية القرن العشرين حتى اليوم، إلا أن كل هذه الممارسات العدوانية، المستمرة إلى يومنا هذا، في سياق الصراع التاريخي الوجودي مع العدو الصهيوني، لم تنجح في اقتلاع هذا الشعب من أرضه بالكامل، وفق المخططات التي رسمت لهذه الغاية.
ومن هنا لا بد من التأكيد بان انتظار البعض ما يسمى الربيع العربي وخاصة بعد تولي الاخوان في مصر وتونس زمام السلطة حتى يعلن ولايته من خلال ممارساته بحق الصحفيين وبحق طالبات الجامعات برفض الحجاب أو الزي الشرعي وقمع حرية الرأي ، في وقت تبذل جميع الفصائل والقوى جهود لإعادة اللحمة الوطنية والمجتمعية للشعب الفلسطيني، فهذا يدعو الى رفض السيطرة المطلقة وفرض نظام منغلق، مع الاحترام لعادات وتقاليد الشعب الفلسطيني وللمرأة الفلسطينية والى الحجاب أو الزي الشرعي باعتباره حق شخصي مكفول، ولكن نحن ضد فرض اي شيئ بالقوة والإكراه على خلفية فئوية أو عقائدية.

وفي ظل هذه الظروف نرى اهمية توحيد جهود القوى الديمقراطية والقومية العربية ، والعمل على وضع البرامج المشتركة فيما بينها لكي تستعيد مصداقيتها ودورها الطليعي ، في كل قطر عربي من اجل مواجهة الثورة المضادة و تفعيل الانتفاضات العربية وصيرورتها الراهنة، وتحقيق أهدافها للخلاص من كل أشكال ومظاهر وأدوات الاستغلال الطبقي والاستبداد، ونحن واثقين من انتصارها.
إن إيماننا بشعوبنا العربية كبير وان بوصلتها واضحة باتجاه فلسطين مهما حاول البعض حرفها، في هذه اللحظة الثورية ، لاننا نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دوراً رئيسياً وأحادياً فيها.
وبالرغم من كل عوامل التي تعيشها المنطقة نرى ايضا انه يجب شحذ الهمم بدفع المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام،وهذا يتطلب من اصحاب التصريحات الإيجابيه العمل الفوري لتشكيل حكومة مؤقتة والعمل من اجل ان تأخذ لجنة الانتخابات دورها في تسجيل الناخبين، حتى لا يعود الوضع برمته إلى مواقع الانتظار والترقب الخاطئة والسلبية، وخاصة ان الانقسام الحق أضرار بالشعب وبالقضية الفلسطينية، وهذا ما يجب أن نرفضه ونحشد أوسع القطاعات الجماهيرية لرفضه وللضغط للعمل الجدي لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية باعتبارها السلاح الامضى في مواجهة الاحتلال ومخططاته.
لذلك على مكونات المشهد السياسي الفلسطيني من قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني، وخاصة التيار الديمقراطي الثوري عموماً، تطوير دوره وفاعليته من اجل المساهمة الفاعلة في صياغة كل الوثائق التي يمكن أن تشكل أسس ومرجعيات المصالحة والبناء اللاحق لها.
ان نصرة الشعب الفلسطيني الذي ناضل على مدى العقود الطويلة آملاً بحلول لحظة خلاص الشعوب العربية من الانظمة المرتبطة بالمشاريع الامريكية الاسرائيلية لتمد له السند الحقيقي في نضاله الوطني والقومي,فكفاح الشعب الفلسطيني هو كفاح الشعوب من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
اننا على يقين بان الشعوب العربية التي تعيد اليوم رسم ثورتها في تحقيق الديمقراطية ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية الثورية بآفاقها الثورية لن تتحقق إلا من خلال التضحيات العظيمة
ختاما لا بد من القول : ان ما تتعرض له الأمة من انظمة الإستبداد والإستعمار وقوى الإسلام السياسي يجب ان يكون عاملا لوحدة كل القوى الوطنية والديمقراطية والقومية من اجل بناء مشروعها وهو مشروع وحدة الامة في مواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت والشرق الاوساط الجديد .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت