لا فرق بين الحاكم والمحكوم
جاء الرئيس الاميركي «أوباما» ليخاطب العالم الإسلامي من قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة، يومها اعتقد البعض أن الإدارة الاميركية تريد فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي، خاصة بعد النصائح التي قدمت للرئيس بضرورة تغيير صورة اميركا القبيحة في العالم، واميركا تأتي في مقدمة الدول «تسبقها في ذلك إسرائيل» التي تحظى بقسط وافر من الكراهية في العالم العربي، وكراهية العرب لاميركا تنبع من الدعم غير المحدود التي تقدمة الإدارة الاميركية لدولة الاحتلال، وكراهية شعوب العالم لاميركا ليست بعيدة عن كراهية العرب لها وإن كانت لأسباب مغايرة، والإدارة الاميركية تدرك ذلك ولا تعمل على تحسين صورتها، كونها تستطيع أن تفرض إرادتها على دول العالم، ولعل الصورة المتكررة للسفارات الاميركية في العالم، التي تتحول فيها السفارة لثكنة محاطة بمكعبات أسمنتية تستقطع جزءاً من الطريق المحيط بها لتمنع الاقتراب من أسوارها، تدلل على ذلك.
رغم هذه العلاقة التنافرية والتي تصل بحدتها في مجتمعاتنا العربية لدرجة التخوين والعمالة، إلا أن الإدارة الاميركية على مدار العقود السابقة استطاعت أن تطوع الأنظمة العربية وتملي عليها رغباتها دون اعتراض يذكر، وكثيرا ما تعرضت الأنظمة العربية الحاكمة للنقد اللاذع من قبل مواطنيها جراء ذلك، وفي أحيان كثيرة لم يجد الشارع العربي بداً للتعبير عن غضبه من السلوك الاميركي سوى حرق العلم الاميركي، اميركا تحتاج بترول العرب، والدول العربية تشكل سوقاً مهمة للمنتجات الاميركية، ولا يصدر العرب لها سوى اليسير من منتجاته، والميزان التجاري بين اميركا والدول العربية يميل بشكل كبير لصالح اميركا، ويمكن للعالم العربي الاستغناء عن هذه العلاقة الاقتصادية دون ضرر قد يلحق بهم، ولكن واضح أن الاقتصاد ليس هو عنوان العلاقة، بل الخوف منها هو المسيطر عليها، على مدار العقود السابقة تولدت قناعة لدى الأنظمة العربية الحاكمة بأن إرضاء اميركا يوفر لها الديمومة في الحكم، وأن عدم تنفيذ تعليماتها يمكن أن تطيح بهذه الأنظمة أرضاً.
المهم أن هذه القناعة لم تكن حكراً على الأنظمة العربية الحاكمة، بل أن القوى الجديدة الطامحة في الحكم أسرعت إلى اميركا لتقديم أوراق الولاء والطاعة لها علها تمكنها من الوصول لسدة الحكم، والحال ليس فقط عند الأحزاب والجماعات بل الأفراد سلكوا ذات المسار، وكأن تقدمهم في الطريق إلى السلطة والحكم يتطلب رضا العم سام.
هذا ما اعتدنا عليه، ولكن الجديد في العلاقة أن تتحول الشعوب العربية لذات المنزلق من خلال تحويلها لأدوات لتنفيذ سياستها دون أن تعي ذلك، حتى وإن كانت الدلائل تشير إلى ذلك، إلا أننا لم نعد نكترث بتلك الحقائق، وحقيقة الأمر أن ما كانت تنعت به الشعوب العربية أنظمتها الحاكمة في الارتماء بالحضن الاميركي باتت الشعوب العربية تفعل الشيء ذاته وإن كان بوسائل أخرى، المهم أن الوقاحة الاميركية في التعامل مع الشأن الداخلي العربي لم تعد تستفزنا ولا تثير غضبنا، بل بتنا نطرب لها ونطالبها بالمزيد، لا أحد يستطيع أن ينكر سطوتها ونفوذها على العالم بأسره ولكن ما يميز سياستها الخارجية فيما يتعلق بالشأن العربي ما تتضمنه من امتهان للكرامة، فإن كنا في السابق نعتب على أنظمتنا الحاكمة فاليوم علينا أن نسقط ذلك من حساباتنا طالما قبلت الشعوب العربية بلعب الدور ذاته، ألم يهلل العرب لاميركا وهي تدك بصواريخها بغداد؟، ألم تعد اميركا قبلة الشعوب العربية للتخلص من أنظمتها الحاكمة؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت