غزة ... صانعة الحدث

بقلم: فدوى البرغوثي

منذ النكبة وحتى اليوم وغزة تتصدر واجهة الأحداث الفلسطينية، وقد تعرضت بعد النكبة عام 1948 لتدفق هائل من اللاجئين الذين تعرضت مدنهم وقراهم للعدوان والتدمير والطرد تحت تهديد السلاح وفتحت غزة ذراعيها للاجئين وشاركتهم وقاسمتهم لقمة العيش والمعاناة ورحلة الكفاح الطويلة وما زالت مستمرة. تعرضت غزة للعدوان والمذابح مثل مجزرة خان يونس والعدوان الثلاثي عام 1956على مصر وإحتلالها لمدة سبعة أشهر. وفي غزة جرت محاولة إحياء الكيانية الفلسطينية من خلال تشكيل حكومة عموم فلسطين، وكان لغزة دورها التاريخي ولأبنائها دور رئيس في اطلاق شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح، فقد لعب جيل ما بعد االنكبة المنحدر من غزة او ممن لجأ إليها بعد النكبة دوراً مركزياً في تأسيس حركة فتح ومن أبرزهم الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكذلك أمير الشهداء والمؤسس في حركة فتح خليل الوزير (أبو جهاد) وأبو أياد وأبو صبري صيدم وكمال عدوان وأبو يوسف النجار وسليم الزعنون وفتحي بلعاوي وانتصار الوزير وعشرات بل مئات من القادة والكوادر من الجيل الأول.

لاحقاً، بعد حرب حزيران 1967، كانت غزة في صدارة الحدث الفلسطيني ومقاومة الإحتلال ثم انطلقت من ازقة جباليا وغزة شرارة الانتفاضة الشعبية الأولى عام 1987، ومن غزة أنطلقت وتأسست حركة الجهاد الاسلامي بقيادة المؤسس القائد الشهيد د. فتحي الشقاقي، هذه الحركة التي لعبت وما زالت دوراً مهماً في المقاومة، كما انطلقت من غزة حركة حماس التي تأسست في بداية الانتفاضة الأولى بقيادة المؤسس الشهيد الشيخ الجليل أحمد ياسين، واحتضنت غزة قيام أول سلطة وطنية فلسطينية منذ النكبة واستقبلت الرئيس الراحل ياسر عرفات بمئات الآلاف، كما شاركت بفعالية كبيرة وقدمت التضحيات في الانتفاضة الثانية والتي انطلقت من ساحات مدينة القدس ومن باحات المسجد الاقصى المبارك، وبدأ انهيار مشروع الاحتلال الاستيطاني بفضل الانتفاضة الباسلة حين اضطر شارون للانسحاب من قطاع غزة عام 2005، وفي غزة تم توقيع وثيقة الأسرى للوفاق الوطني يوم 27/6/2006 من قبل ممثلي وقادة جميع الفصائل والأحزاب الفلسطينية، ومن غزة جاءت عملية أسر الجندي جلعاد شاليط التي أدت الى تحرير 1027 أسيراً وأسيرة في 18/11/2011، كما كانت غزة في مقدمة حربي وعدواني 2007/2008، وعدوان 2012 فقدمت غزة نموذجاً في الصمود والمقاومة الباسلة والتحدي والثبات وسجلت صموداً يعتز به الشعب الفلسطيني بأسره.

في الرابع من يناير 2013 في الذكرى الـ(48) لانطلاقة الثورة المعاصرة بقيادة حركة فتح كانت غزة على موعد جديد ومع مفاجئة سارة عندما خرج مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والعائلات بأكملها وزحفت إلى ساحة الشهيد ياسر عرفات (السرايا سابقاً) حيث امتلآت الشوارع والأزقة والساحات وأعمدة الكهرباء والتلفون وأسطح المنازل والشرفات وأسطح الحافلات والسيارات، وكانت عيون الغزيين تفيض بالدموع وروح التحدي والكبرياء والكرامة معتبرين هذا اليوم الخالد يوماً فاصلاً تنفض فيه حركة فتح الغبار عن وجهها الجميل، وجه الشعب العربي الفلسطيني، وتاريخه وشهدائه وأسراه وجرحاه. زحفت الجماهير حاملة رايات فلسطين تهتف "لا للإنقسام الأسود، نعم للوحدة الوطنية والمصالحة، الوحدة الوطنية قانون الإنتصار، غزة والضفة شعب واحد، ارض واحدة روح واحدة، دولة واحدة، كما هتفت الجماهير عالقدس رايحين شهداء بالملايين".

لقد شرفني أبناء شعبنا في غزة وأبناء حركة فتح بالمشاركة في هذا اليوم الخالد، وسرت في الشوارع والأزقة والتقيت آلاف الناس الذين حمّلوني تحياتهم ووفائهم للمناضل القائد مروان البرغوثي، كما وقفت على المنصة حيث احتشد الكثيرين من القيادات وشاهدت وسمعت هذا الحماس الهائل وهذه الطاقة والثورة لدى هذه القاعدة الفتحاوية الأصيلة، وشعرت أن روح الشهيد ياسر عرفات وأبوجهاد وثابت ثابت ورائد الكرمي وأبو إياد وأبو صبري وجهاد عمارين وجمال أبو سمهدانة وجمال عبد الرازق ومروان زلوم وعاطف وحسين عبيات وأحمد ياسين والجعبري والشقاقي وأبو علي مصطفى وكل شهداء الوطن حاضرة ترفرف في سماء غزة وتبارك هذا الحشد الوطني الكبير، لقد كان هذا اليوم استعادة للروح وانتصاراً للكرامة وتأكيداً على أن فتح حيّة نابضة بالحياة، وأنها نبض فلسطين وقلبها وبوصلة الفلسطينيين، وأن الشعب الفلسطيني ما زال وفياً لهذه الحركة التي قدمت عشرات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى والمعذبين على مذبح الحرية والعودة والاستقلال، وقد كان هذا اليوم يوماً لتجديد العهد والقسم من الفتحاويين على مواصلة الكفاح والنضال والمقاومة وعلى رفض الانقسام والتشرذم بل ان هذا الحشد الجبار كان يمحو بأحذيته عار الإنقسام.

كان هذا الحشد رسالة واضحة وبليغة إلى قيادة فتح بدعوتها إلى الإرتقاء لمستوى هذه الجماهير التي تشكّل الحركة، وهي رسالة لترتيب صفوفها أيضاً في القطاع وضرورة تعزيزها خاصة أن الحركة في القطاع كانت تنزف طوال السنوات الماضية، ولكنها رغم الجراح والنزيف والقهر والمرارة والتهميش ما زالت وفية للشهداء والأسرى والجرحى ولفلسطين الشعب والقضية والوطن ولحركة فتح. ونحن نثمن ونبارك لحماس وفتح قرارهما بوقف الحملات الإعلامية وإطلاق المعتقلين وإعادة فتح المؤسسات والسماح بالإحتفالات والنشاطات في كل من الضفة وغزة. ولكن الوفاء للحشد الذي تم في قطاع غزة من فتح وحماس يكون بطي صفحة الانقسام فوراً دون تأجيل أو تبرير واطلاق الحريات بشكل كامل والإستعداد لولادة عهد الشراكة الوطنية الحقيقية في م.ت.ف والحكومة الواحدة والسلطة الواحدة والمجلس التشريعي الواحد من أجل ان يتمكن شعبنا من مواجهة التحديات الكبرى وفي مقدمتها تحدي إنهاء الإحتلال والإستيطان وفي إنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت