أهلا بمصالحة تؤسس للمحاسبة

بقلم: محمد أبو مهادي


مع عودة جولات الحوار الفلسطيني في القاهرة استعاد جزء من أبناء الشعب الفلسطيني الأمل بإمكانية حصول هذا الحدث المنتظر منذ قرابة 6 سنوات، ولكن الجزء الكبير من الشارع الفلسطيني وأنا منهم ليس على يقين بأن هذه الجولات الحوارية ستسفرعن نتائج تخرج المصالحة الى حيّز الواقع.
الأزمة السياسية التي وصل إليها قادة الإنقسام في ظل هجوم اسرائيلي إستيطاني معلن على ما تبقى من أراضي الضفة الغربية والقدس، وتهديدات واعتداءات متواصلة على قطاع غزة تقابل بصمت من لا حول له ولا قوّة مع إشتراطات أمنية تم الاتفاق حولها في القاهرة، هذه الأزمة تترافق مع أوضاع تمويلة صعبة للحكومتين في غزة والضفة، تعجزان على أثرها من تقديم حلول جدية وجوهرية لمشكلات الفقر والبطالة والرواتب وولّدت عبئاً ثقيلاً على قطاعات واسعة من أبناء الشعب الفلسطيني تحفزه الى إمكانية التمرد على الواقع، هي أحد الأسباب التي قد تدفع أطراف الإنقسام الى تنفيذ المصالحة كأحد أشكال تدوير الأزمة، واعتبار ذلك مخرج من حالة احتقان شعبي وتأجيل لحراك واسع قد يحدث في أي لحظة إذا ما استمرت الأزمات السابقة في ظل إنقسام.
أسباب كثيرة لإنهاء الانقسام وفي المقدمة منها الخطر الحقيقي الذي يتهدد الفلسطينيين جميعاً في معركته مع الإحتلال الإسرائيلي، ولكن أسباباً أخرى تساهم في تعطيل المصالحة، أبرزها حالة الضعف التي وصلت اليها الفصائل الفلسطينية التي أعطت بضعفها فرصة كبيرة لتدخلات إقليمية ودولية جعلت من الحديث عن قرار فلسطيني مستقل مجرد حديث شعاراتي فارغ المضمون ينتفي مع واقع المحاولات الكثيرة التي عاشها الشعب الفلسطيني مع مسلسل المصالحة.
سواء أنجزت المصالحة أم تعثرت فإن مجموعة حقائق برزت خلال فترة الإنقسام لا يمكن تجاهلها تمثلت في التالي:
أولاً/ أن الإنقسام ساهم في إلحاق ضرراً بالغاً على أوضاع ومكانة الشعب الفلسطيني أمام العالم، وأحدث تراجعاً في حجم التضامن الدولي مع أبناء الشعب الفلسطيني، وقد ظهر ذلك جلياً خلال العملية العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة وأسفرت عن مجازر بحق أطفال ونساء قوبلت بردات فعل رسمية باهتة من معظم دول العالم، وزيارات رفع عتب مزجت أحياناً ببعض الدموع، ولم يكن المستوى الشعبي أفضل حالاً فقد كانت الشعوب العربية غارقة بمشكلاتها الى حد كبير غطًى على صورة المجزرة في غزة، وشعوب العالم كانت أقل تأثراً بما يحصل ولم تخرج تلك المليونيات التي شاهدناها في لندن على سبيل المثال خلال حصار الرئيس ياسر عرفات.
ثانياً/ أزمة مالية تهدد السلطة الوطنية الفلسطينية وقد أصبحت أزمة مزمنة لم تنهيها شبكة أمان عربية وهمية ولن تعالجها، بل ستبقيها أزمة وتهديد رهن الاستجابة لأشتراطات المفاوضات والأمن وعدم الخروج عن المسار الرئيس للسلطة والدور الوظيفي المناط بها.
ثالثاً/ تصاعد الحملات الشعبية المناهضة للإنقسام وعشرات المبادرات التي خاضها الشباب الفلسطيني للضغط على أطرافه بعد أن كشفت نوايا المستفيدين منه والمعنيين بتكريسه وتوفير مقومات استمراره، وأهلتهم للسقوط في أي لحظة ومع أي حدث قد يبدو بسيط .
رابعاً/ الشعب الفلسطيني شهد خلال سنوات الإنقسام ما لم يكن يتوقعه من أجهزة أمنية وبناءاً على قرارات قيادية أهدرت حقوقه السياسية، بل جعلت من ممارسة حرية الرأي جريمة يعاقب عليها مرتكبها، وتصاعدت الإنتهاكات بشكل خطير ومستفز طالت الجميع دون استثناء لدرجة ستدفع الكثير لتمرد لا يمكن حصره بحدود أو السيطرة عليه داخل معتقل أو إرهابه بممارسات قمعية لأجهزة الأمن، فالشعب الفلسطيني يعيش في هذا المحيط العربي الذي أسقط من ذاكرته الخوف وخرج الى الميادين في مواجهة الظلم والإستبداد.
المصالحة إن حصلت فهي إنجاز وطني رغم كل الملاحظات حولها وينبغي الدفع بإتجاه تعزيزها وإزالة كل العقبات من طريقها واعتبارها فرصة لإستعادة الوحدة الوطنية والتصدي للإحتلال وممارساته اليومية، وإغلاق ملف كارثي أساء للشعب وقضيته، كما أنها فرصة شعبية لمحاكمة الذين بطشوا بأبناء الشعب وصادروا حرياته إذا ما جرت الانتخابات، حيث لا يمكن من زاوية المنطق أن يعاد إنتاج مثل هؤلاء كأبطال وقادة للشعب الفلسطيني، وإن لم تحصل المصالحة فإن فرصة التمرد الشعبي لا زالت موجودة والعوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية المؤدية الى هذا التمرد موجودة وتزداد حدة وتؤهل قادة الانقسام لمغادرة المشهد الفلسطيني الى غير رجعة ولو بعد حين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت