معاملة البنات والأخوات في الإسلام..

بقلم: الشيخ ياسين الأسطل

البنات والأخوات حياتنا كئيبة دونهن، فلهن في النفس أوقع الأثر ، أما البنات فهن المؤنسات الغاليات ، لأنهن فلذات الأكباد ، ومهج الأرواح ، وأما الأخوات فإنهن يَسْرُرْن عند الأفراح ، ويُسْعِدْنَ عند الأحزان ، وبناتنا وأخواتنا -كذلك النساء- يتميزن باللطافة ورقة الشعور ، ورهف الإحساس ، ولذلك يغضبن لأدنى الأمور والمسائل ، ويرضين لأقل الإحسان والطيب من الكلام ،فكن من وصية الله عز وجل ، ولقين من النبي صلى الله عليه وسلم كل اهتمام ، فاستحققن منا مزيد العناية ، وجليل التقدير ، وعظيم التبجبل ، ولو نظرنا في كتاب الله ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، و كذلك في سيرة السلف لوجدنا مصداق ذلك واضحا جليا ، وبرهان عليه ظاهراً لا خفيا ، فما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم ، قال الله تعالى عن المشركين من العرب وعن موقفهم من البنات في سورة الزخرف : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) } قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم:
( .. { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عَيِيَّة، أوَ مَنْ يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل ؟! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص، كما قال بعض شعراء العرب:
وَمَا الحَلْي إلا زينَةٌ من نقيصةٍ ... يتمّمُ من حُسْن إذا الحُسْن قَصَّرا ...
وأمَّا إذَا كان الجمالُ موفَّرا ... كحُسْنك، لم يَحْتَجْ إلى أن يزَوَّرا ...
وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار، لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: "ما هي بنعم الولد: نصرها بالبكاء، وبرها سرقة" ) اهـ .

أيها المسلمون :لقد كان من العرب من يكره البنات لفرط جهله ، وقد ذكر الله ذلك في الكتاب الكريم فقال في سورة النحل : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) }

قال الإمام ابن كثير في تفسير القرآن العظيم أيضاً : ( { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ } حيث قالوا عن الملائكة العباد المقربين إنهم بنات الله { وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ } أي لأنفسهم الذكور حتى إنهم يكرهون البنات كراهة شديدة فكان { إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا } من الغم الذي أصابه { وَهُوَ كَظِيمٌ } أي كاظم على الحزن والأسف إذا بشِّر بأنثى ، وحتى إنه يفتضح عند أبناء جنسه ، ويتوارى منهم من سوء ما بشر به ، ثم يعمل فكره ورأيه الفاسد فيما يصنع بتلك البنت التي بشّر بها { أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ } أي يتركها من غير قتل على إهانة وذل { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ } أي يدفنها وهي حية وهو الوأد الذي ذم الله به المشركين { أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } إذ وصفوا الله بما لا يليق بجلاله من نسبة الولد إليه ، ثم لم يكفهم هذا حتى نسبوا له أردأ القسمين وهو الإناث اللاتي يأنفون بأنفسهم عنها ويكرهونها فكيف ينسبونها لله تعالى؟ فبئس الحكم حكمهم ولما كان هذا من أمثال السوء التي نسبها إليه أعداؤه المشركون قال تعالى { لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ } أي المثل الناقص والعيب التام { وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأعْلَى } وهو كل صفة كمال وكل كمال في الوجود فالله أحق به من غير أن يستلزم ذلك نقصا بوجه وله المثل الأعلى في قلوب أوليائه وهو التعظيم والإجلال والمحبة والإنابة والمعرفة { وَهُوَ الْعَزِيزُ } الذي قهر جميع الأشياء وانقادت له المخلوقات بأسرها { الْحَكِيمُ } الذي يضع الأشياء مواضعها فلا يأمر ولا يفعل إلا ما يحمد عليه ويثنى على كماله فيه ) اهـ .

أيها المؤمنون :* هذا هو رسول الله عليه وسلم في معاملته لابنته فاطمة إذ رأى حزنها ، فرق لها ، فبشرها ليُذهب عنها حزنها رضي الله عنها ، فقد روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد واللفظ للبخاري وفيه قصة قال : حدثنا موسى عن أبي عوانة حدثنا فراس عن عامر عن مسروق حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت:(إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآها رحب قال مرحبا بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم سارها فبكت بكاء شديدا فلما رأى حزنها سارها الثانية فإذا هي تضحك فقلت لها أنا من بين نسائه خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها عما سارك قالت ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره فلما توفي قلت لها عزمت عليك بما لي عليك من الحق لما أخبرتني قالت أما الآن فنعم فأخبرتني قالت أما حين سارني في الأمر الأول فإنه أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة " وإنه قد عارضني به العام مرتين ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك " قالت : فبكيت بكائي الذي رأيت فلما رأى جزعي سارني الثانية قال:"يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أوسيدة نساء هذه الأمة ")اهـ.

وها هو صلى الله عليه وسلم يغضب لها إذ أغضبها عليٌ زوجها حينما أراد عليٌ رضي الله عنه الزواج عليها ، فقد روى مسلم وأبو داود وأحمد واللفظ لمسلم قالحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس وقتيبة بن سعيد كلاهما عن الليث بن سعد قال ابن يونس حدثنا ليث حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي أن المسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول : " إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " اهـ .

فما تزوج علي عليها امرأةً حتى ماتت رضي الله عنها .

* وها هو صلى في معاملته لأخته ، تأتيه أخته من الرضاعة الشيماء [واسمها حُذافة ] إذ لم تكن له أختٌ من النسب فقد جاء في [سبيل الهدى والرشاد سيرة خير العباد ] للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي : ( .. وروى ابن إسحاق عن أبي وجزة السعدي أن الشيماء لما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأختك من الرضاعة.

قال: " وما علامة ذلك ؟ " قالت: عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك.فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فبسط لها رداءه ثم قال: ها هنا فأجلسها عليه وخيرها فقال: " إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك فترجعي إلى قومك فعلت ". فقالت: بل تمتعني وترجعني إلى قومي، فمتعها وردها إلى قومها، فزعم بنو سعد بن بكر أنه صلى الله عليه وسلم أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجوا الغلام الجارية فلم يزل من نسلهما بقية. أبو وجزة بفتح الواو وسكون الجيم بعدها زاي اسمه يزيد بن عبيد. وذكر أبو عمر رحمه الله تعالى نحوه. وزاد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها وشيا أي ثوبا موشى وثلاثة أعبد وجارية.

ونقل في الزهر والإصابة أن محمد بن المعلى قال في كتاب الترقيص: إن الشيماء كانت ترقص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول في ترقيصه هذا الكلام:

يا ربنا أبق أخي محمدا * * حتى أراه يافعا وأمردا
وأكبت أعاديه معا والحسدا * * وأعطه عزا يدوم أبدا
زاد في الزهر في النقل عنه :
هذا أخ لي لم تلده أمي * * وليس من نسل أبي وعمي
فديته من مخول معم * * فأنمه اللهم فيما تنمي
وتقول أيضا رضي الله تعالى عنها:
محمد خير البشر * * ممن مضى ومن غبر
من حج منهم أو اعتمر * * أحسن من وجه القمر
من كل أنثى وذكر * * من كل مشبوب أغر
جنبني الله الغير * * فيه وأوضح لي الأثر ) اهـ .
عباد الله : أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين ،فاستغفروه وتوبوا إليه إنه سبحانه الغفور الرحيم ، اللهم أمين يارب العالمين .

إخوة الإسلام يا عباد الله :
* وهذا رجل من الصحابة رضي الله عنه يبر أخته في معاملتها في حياتها وبعد موتها جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أخته ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أختي نذرت أن تحج وقد ماتت قال أرأيت لو كان عليها دين أكنت تقضيه قال نعم قال فالله تبارك وتعالى أحق بالوفاء ) اهـ .

* وفي معاملة البنات والأخوات روى ابن أبي شيبة قال :
حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ : حدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُكْمِلٍ ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْمُعَاوِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : لاَ يَكُونُ لأَحَدِكُمْ ثَلاَثُ بَنَاتٍ ، أَوْ ثَلاَثُ أَخَوَاتٍ فَيُحْسِنُ إلَيْهِنَّ إلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ " اهـ .
وقال : حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ ، قَالَ : حدَّثَنَا مِنْدَلٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَى لأَوَائِهِنَّ وَسَرَّائِهِنَّ وَضَرَّائِهِنَّ أَدْخَلْنهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُنَّ ، قَالَ رَجُلٌ : واثنتان ؟ قَالَ : وَاثْنَتَانِ ، قَالَ رَجُلٌ : وَوَاحِدَةٌ ؟ قَالَ : وَوَاحِدَةٌ " اهـ.

عباد الله :
ألا وصلوا وسلموا على خير الخليقة ، وأزكاها عند الله على الحقيقة ، فقد أمركم الله به اتباعاً لهديه فقال : {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}الأحزاب 56 .. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين ، الأئمة المهديين - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي – ، وعن آله المرضيين ،وسائر الصحابة أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت