ودعت غزة شهر كانون الثاني بفاجعة جديدة أصابت عائلة بأكملها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، الأب حازم ضهير والأم سمر واطفالهما الأربع الذين لم يتجاوز أكبرهم الست سنوات، جراء حريق شب في منزلهم وهم يضيئون الشموع في غرفة نومهم خوفاً من العتمة والظلمة لتحول حياتهم إلى مأساة مميتة...
فالأب حازم هو من متفرغي السلطة الفلسطينية العسكريين "تعيينات 2005" أي يتقاضى راتباً لا يتجاوز 1500 شيكل (دولار= 3.75 شيكل) يذهب 170 شيكل لشركة الكهرباء، يعيش في غرفة لا تتجاوز مساحتها الثلاثين متراً مثل الآلاف من الغزيين الذين لا يستطيعون شراء شقة او بيت مستقل نتيجة الغلاء الفاحش للأسعار.
الأم سمر ضهير وهي تحتضن رضيعتها "قمر" ولم تتخل عنها حتى التهمتها نيران الشموع التي أصابت منزلها في الليلة الكانونية الأخيرة في حياتها وحياة أسرتها. ولم يكن يعلم الطفل محمود ضهير انه لن يذهب غداً إلى مدرسته.
حادثة وفاة عائلة ضهير أثارت موجةً من الغضب الشديد لدى أهالي منطقة الشجاعية وقطاع غزة بأكمله، مما دفع أقارب الضحايا بمهاجمة مقر شركة الكهرباء بالعصي والحجارة أثناء تشييع جثامين أفراد العائلة الستة، وكانوا يرددون هتافات منددة بشركة الكهرباء ويُحملون الحكومة المقالة وسلطة الطاقة وشركة الكهرباء مسؤولية وفاة أبنائهم، مطالبين بسرعة التحقيق في الحادث وتقديم المسؤولين عنه إلى العدالة.
ووفق مركز الميزان لحقوق الانسان، الذي أوضح ان عائلة ضهير كانت قد أبلغت شركة كهرباء غزة بعطل أصاب عداد الكهرباء الخاص بمنزلها الذي يضم أكثر من 70 فرداً، إلا أنهم فوجئوا بأن بعض موظفي شركة الكهرباء حضروا للمنزل وبصحبتهم عدد من أفراد الشرطة المقالة الذين يحملون الهراوات والأسلحة وقاموا بقطع كابل الكهرباء الموصل للتيار.
رغم تضارب أسباب الحريق الذي التهم غرفة المواطن حازم ضهير وأسرته بأكملها، بين شموع التهمت العائلة وبين حدوث تماس كهربائي ومدفأة، إلا ان الفاجعة كانت هي الأكبر عند الغزيين التي باتت تحول حياتهم إلى كوابيس وأحلام مخيفة.
اليوم رحلت عائلة ضهير بأكملها وقبلها فقدت عائلة البغدادي اثنين من أطفالهما في حريق مماثل، وبالأمس فقدت عائلة "سليم" ثمانية من فلذات أكبادهم جراء انتشار الاوبئة الناجمة عن النفايات ومصارف صحية في أماكن سكناهم، وآخرين يموتون في انفجار مولداتهم الكهربائية، وأنفاق الموت المنتشرة على الحدود الفلسطينية المصرية. فمن لم تقتله صواريخ ونيران الاحتلال قتلته نيران الشموع وانهيارات الأنفاق والبحث عن لقمة العيش في غزة.
فمأساة آل ضهير لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة طالما بقيت أزمة الكهرباء تؤرق حياة الغزيين دون ايجاد حلول جذرية لتلك المشكلة التي تتذرع شركة توزيع الكهرباء بوجود عجز لديها يصل لـ 150 ميجا واط وتحمل المسؤولية للاحتلال الاسرائيلي.
فالاحتلال والحصار شماعة تُعلق شركة توزيع الكهرباء تهمها عليهما وتحاول النأي بنفسها عن المآسي التي تصيب وأصابت قطاع غزة. فشركة الكهرباء ومن يقف وراءها ان لم تستطع ايجاد حلول لمشاكل المواطنين فعليهم الذهاب إلى البيت.
من لم يدفع فاتورة حياته ثمناً للكهرباء يدفعها بأدواته الكهربائية المحترقة جراء الانقطاع المتذبذب للكهرباء في أوقات وصلها المعتاد الذي لم يتجاوز الثماني ساعات يومياً، ورغم كل ذلك لم تتغير قراءة فاتورة الكهرباء.
ولكن لماذا لم نسأل أنفسنا ما ذنب أطفالنا وحياتنا ندفعها ثمناً للانقسام والانقساميين وشعبنا يدفع يومياً فاتورة الواقع المرير التي يتذرع أخوة السلاح والمصالح أن الاحتلال هو أم المآسي والمصائب دون الاكتراث إلى أيديهما التي تلطخت بدماء الضحايا.
• كاتب وصحفي فلسطيني- قطاع غزة.
1/2/2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت