من هنا ننطلق: بناء استراتيجية نضال بدل حصار "التمايزات"

بقلم: حنين زعبي


يدخل الوسط إلى الكنيست بقوتين: قوة مقاعده التي تجعله شريكا في حكومة نتانياهو، وإن كانت شراكته هذه تعتمد على انسجام سياسي ليس أقل من اعتمادها على عدد مقاعده، وقوة مقاعده التي دلت أن الناخب الإسرائيلي يعود بفطرة الشارع إلى الصياغة السياسية الأكثر توفيقا للمصالح الصهيونية، ويعود بفطرة أيضا إلى الوفاق بين الخطاب الصهيوني وبين الخطاب العلماني و"الليبرالي". هذا الوفاق الذي ارتبك قليلا خلال الحكومة الأخيرة.

ويصدر(بكسر الدال) هذا الوفاق، الارتباك إلى الساحات الأخرى الفلسطينية والعربية والدولية. فحزب لبيد سيعرف كيف يمكن لإسرائيل أن تعود للمفاوضات دون أن تتغير الخطوط العريضة لحكومة نتانياهو، الأمر الذي يمكن كلينتون من أن تقول أنها "متفائلة" وأن "فرص السلام" عادت، وهي لا تعرف ماذا تغير فعلا، ولبيد حرص أن يتحيد الأجندة السياسية برمتها، معلنا بذلك أن لا شيء جديد يقدمه في الموضوع.

والحقيقة أن أقصى ما تريده الإدارة الأمركية، كما السلطة الفلسطينية، الآن، هو بالذات عملية الارتباك هذه، يوجد مفاوضات، لا يوجد مفاوضات، فالأمريكية لا نية لها بالضغط على إسرائيل، فهي تنتظر فقط ما تقرره إسرائيل في الموضوع، والثانية لا قرار سياسي لها بتفعيل إرادتها السياسية، وبتفعيل مخزون الغضب الشعبي الذي يستطيع أن يملي شروطه على إسرائيل، كما تملي أي ثورة شروطها.
عملية الارتباك هذه، هي ما يقدمه لبيد للفلسطينيين، أو بالأحرى للسلطة، لكنها مساهمته الأكثر أهمية لإسرائيل نفسها، إذ سيمكنها سيناريو المفاوضات للعودة لتطبيق مقولة شائعة إسرائيليا "تسير مع، وتشعر بدون"، أي تستمر بالاحتلال، تسير مع الاحتلال، وتشعر (بدون) أنك غير محتل. فالوقت الذي ينسى فيه العالم أن إسرائيل هي دولة محتلة، هو أثناء المفاوضات.

تيار الوسط العنصري هذا، لم يحرص على معارضة حكومة نتانياهو سياسيا، حيث ان تلك الساسات لا تعتبر خطا أحمر لديه، بالمقابل كانت له لديه مقولة سياسية واضحة هي الخط الأحمر الوحيد الذي صرح به: موقفه فيما يتعلق من الحقوق السياسية للفلسطينيين داخل إسرائيل: لا شراكة له مع زعبيز.

وإذا لم يستطع، ولا يوجد نية، للعالم العربي ولا للسلطة الفلسطينية أن تكشف عن عنصرية هذا الخطاب "الوسطي" قبل أن يحصد ثماره على حساب حقوقنا، فعلى الداخل الفلسطيني أن يفعل.

ونحن لا نستطيع أن نفعل ذلك، إلا من خلال مشروع وطني واضح المعالم وغير خاضع "للتمايزات" التي لا معنى لها عندما يتعلق الأمر بحقوقنا كشعب فلسطيني على جانبي الخط الأخضر.

وإذا كنا لم نستطع إملاء خطاب النكبة وفرض تعليم تاريخها ومخططها المستمر على مدارسنا، فلنفرضه على وعينا العام، ولنتصرف نحن على الأقل وفقا لذاك الخطاب وذاك الوعي.

لقد بنى التجمع مشروعه وحركته السياسية - وليس فقط برنامجه الانتخابي- على هذا الأساس، على أساس أننا نحمل كفلسطينيين مشروعا وطنيا نجيب به على المشروع الصهيوني كأصحاب وطن.


وبالضبط على هذه النقطة يوجد خلاف استراتيجي بيننا وبين الآخرين، أو بالأحرى بيننا وبين الحزب الشيوعي (الجيهة الديمقراطية للسلام والمساواة)، إذ لا يحمل التيار الإسلامي داخل الكنيست أي مشروع سياسي.


الأول يسعى إلى تنظيم فلسطينيي الداخل قوميا، الثاني يسعى إلى حشر الفلسطينيين ضمن "تمايزات" الساحة الإسرائيلية، وإلحاقها فكريا وتنظيميا باليسار الصهيوني (راجعوا الحملة الانتخابية للجبهة باللغتين العربية والعبرية، راجعوا تصريحات دوف حنين بأنهم ضد "المتطرفين" من كلا الطرفين)، من موقع حركة وطنية فلسطينية تواجه مشروعا صهيونيا، الثاني يسعى إلى مخاطبتها كإحدى المركبات الداخلية العضوية لحركة اليسار الإسرائيلي. الأول يرى نفسه جزءا من الحركة الوطنية الفلسطينية، يحمل مشروعا نقيضا للمشروع الصهيوني، ويخاطب الدولة والأحزاب الصهيونية بكل إفرازاتها من هذا الموقع، ويريد أن يفتح حوارا مع اليسار في إسرائيل. الثاني يرى نفسه جزءا من اليسار الإسرائيلي، ويستمد شرعيته من هناك (وهو حريص على هذه الشرعية، فتتحول مرمرة إلى "مسخرة" في خطاب لمحمد بركة في الكنيست)، ويرى نفسه في حوار مع "أخواننا" الفلسطينيين. الفرق هو فرق في تعريف الذات، وليس فقط في المشروع السياسي الذي نحمله.

هذه هي الأسباب التي تدعو الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى رفض الوحدة بين الأحزاب العربية، فهو مبدئيا واستراتيجيا ضدها، (ونحن من مصلحتنا توضيح الخلاف –وليس فقط الاختلاف- السياسي بيننا، لكننا في نفس الوقت نصر على وحدة انتخابية، تقوينا كفلسطينيين، دون أن تحمو الاختلافات بيننا)، وهي نفس الأسباب الذي دعت الحزب الشيوعي إلى رفض إعادة بناء لجنة المتابعة: رفضه لكل ما بوسعه أن ينظم الفلسطينيين قوميا، ويقوي بالتالي مشروعهم القومي على حساب العلاقة مع اليسار الصهيوني.
بالطبع علينا قراءة "التمايزات" بين الأحزاب الصهوينية، وبين كتل أو تيارات تجمعها قواسم مشتركة، سياسية أو اقتصادية، لكن ذلك لا يعني حشر أنفسنا ضمن تلك التمايزات، وعدم قراءة قدرتنا كأصحاب وطن على فرض قاموس سياسي وسلوكيات احتجاج سياسي، من الطبيعي ألا يقبلها "اليسار" الصهيوني.

"التجمع الوطني الديمقراطي عليه أن يفرض آليات واستراتيجية نضال، عليها أن تخضع حاليا لمدى قدرتنا كتيار مركزي على ملامسة الشارع وتحفيزه، وليس لسقف لجنة المتابعة، حيث يضع البعض الفيتو ليس فقط على كل محاولة تطوير لوسائل احتجاجنا، بل حتى على وسائل احتجاج أساسية تعترف بها كافة الشعوب وهي الإضراب العام، الذي يؤسس في وعي جماهيرنا وفي وعي الدولة، أننا لا نسلم بجوهر العلاقة معها.

التجمع الوطني الديمقراطي سيبدأ جديا بدراسة آليات مثل العصيان المدني، وتطوير حركة مقاطعة للبرلمان حتى ونحن داخله، مثل مقاطعة جلسات قد تمتد لأيام أو حتى لأسابيع. بالموازاة سيعمل بقوة أكبر على إعادة بناء لجنة المتابعة.
فقط مشروع وطني كالتجمع، من حيث هو مشروع في إعادة تنظيم أنفسنا (ووسائل نضالنا ومؤسساتنا) قوميا، يستطيع أن يستمر في إعادة صياغة قوانين اللعبة السياسية، بيننا وبين الدولة، كما بيننا وبين أنفسنا. وفقط بتعزيز كوادر وقوة التجمع ميدانيا، نستطيع ذلك، ومن هنا ننطلق.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت