يسعى الكيان الصهيوني في وقت ينشغل فيه المجتمع الدولي بالتطورات الإقليمية والعربية إلى استغلال مجمل هذه التطورات من أجل تمرير مخططاته الاستيطانية الجديدة في فلسطين لتشكل الخطوات الاستيطانية والتهويدية جريمة كبرى بحق المقدسات الموجودة من جهة ومن جهة أخرى عثرة أمام تحقيق عملية السلام بالمنطقة،بينما لا تزال الإدارة الأمريكية تسعى إلى اخذ التنازلات من الجانب الفلسطيني لضمان التفوق الوجودي والعسكري للكيان الصهيوني ،وكأن المفاوضات باتت على ضوء هذه المغريات هدفاً لا وسيلة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ،حيث لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية للجانب الفلسطيني أية ضمانات لنجاح هذه المفاوضات أو حتى تقدمها،مايعني أن التنازلات والإغراءات الأميركية للاحتلال ليست إلا على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
وفي ظل الرفض الصهيوني لقررات الشرعية الدولية، الذي يأتي من خلال دعم مباشر وصريح من الادارة الأمريكية خاصة بعد قرار مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة بازالة المستوطنات عن ارض فلسطين ، لابد من التنبيه إلى أن الحديث عن حل الدولتين، ايضا وفق شروط العدو الإسرائيلي، لا يشكل حلاً أو هدفاً مرحلياً، وإنما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة تطبيقاً للرؤية الإسرائيلية الأمريكية، التي تسعى إلى مسخ وتقزيم هذا المفهوم وإخراجه على صورة "حكم ذاتي موسع" أو "دويلة مؤقتة، مفتتة، ناقصة السيادة" أو تقاسم وظيفي أو أي مسمى أخر لا يتناقض مع الشروط الإسرائيلية الأمريكية، ما يعني بالنسبة لكل القوى الوطنية الفلسطينية تأكيد التزامها بالثوابت الوطنية والحقوق التاريخية بعد أن بات من الواضح حسب التصور الصهيوني أن حل المسألة الفلسطينية يجب ان يكون ضمن المفاوضات المباشرة، هذه المفاوضات التي شكلت غطاء واضح للكيان الاسرائيلي بالاستمرار في استيطانه وتهويده للارض والمقدسات .
تشكل العمليات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وإحدى جرائم الحرب التي ترتكبها حكومة الاحتلال، وقد تأكد ذلك من خلال المواثيق الدولية والمنظمات الدولية والإقليمية وحكومات معظم دول العالم . فالاتفاقيات الدولية التي عقدت ومنها جنيف الرابعة لعام 1949م قامت بتجريم الاستيطان بنص واضح وذلك في المادة 49، وتأكد هذا التجريم في نص المادة 85 من البروتوكول الأول لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949م، ،وفقاً لهذا البروتوكول،فإن الانتهاكات الجسيمة المتمثلة ببناء المستوطنات بمنزلة جرائم حرب .ومن هذه المعطيات الدولية تتأكد هذه التناقضات الموضوعة اليوم أمام عملية السلام بعد قضم مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين لاستيطانها ،وبناء كتل صهيونية عليها ضاربة عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تجرّم هذه الانتهاكات .
من هنا تسعى الولايات المتحدة الأمريكية الى نصيرة الكيان الصهيوني بكل جهودها لإفشال قرارات مجلس الأمن في التصدي للنشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وموقفها في ذلك يعتمد على أساس أن مجلس الأمن ليس المكان المناسب لمناقشة مسألة الاستيطان، فحل هذه المسألة يكمن في التفاوض الثنائي بين الأطراف المعنية، وهذا ما تعوّل عليه اليوم الإدارة الأمريكية لإفشال أي قرار يمس هذا الجانب.! وبات من المؤكد أن استمرار تهويد مدينة القدس ومحيطها عبر الاستيطان المتسارع والقضم المتدرج لأراضي الضفة الغربية والاستيلاء على الأراضي وإقرار خطة لإقامة وحدات استيطانية جديدة ، كل ذلك يشكل انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة التي تحرم على قوى الاحتلال تغيير معالم الأراضي المحتلة أو الاستيلاء على الأملاك الخاصة ونقل المستوطنين إليها.
إن ما يقوم به الكيان الصهيوني العنصري من تسريع لعجلة الاستيطان وتهويد المناطق في الضفة الغربية والقدس المحتلة وتهويد ساحة البراق المجاورة والتهديد للمسجد الأقصى،وتنفيذ مخططات واسعة للاستيطان على حساب المنازل ومساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية،يؤكد لنا بكل وضوح أن حكومة هذا الكيان المتطرفة ماضية في استكمال تنفيذ مخططات صهيونية قديمة لإحداث تغيير في بنية الأرض وهويتها عبر مشروعات عنصرية تصب في خدمة المصالح الاستعمارية.
امام واقع الحال يجب على الجميع ان يعي بان الصراع مع دولة العدو الإسرائيلي، هو صراع وجود على الارض وهذا يتطلب توحيد الجهود واستعادة روح النضال الفلسطيني وأدواته وعدم العودة الى مسار التفاوض من اجل السلام وفق الشروط الإسرائيلية الأمريكية، وأن كل هذه الممارسات العدوانية، المستمرة ، في سياق الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني، لم تنجح في اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه بالكامل الذي قدم من اجلها الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمعاقين.
ان الدعوة التي أطلقها مجلس حقوق الإنسان بجنيف، التابع للأمم المتحدة، عبر تقريره الذي تم إعلانه ، في ختام مهمة للتحقيق قام بها خبراء دوليون مستقلون، والتي ذكرت بعبارات صريحة أنه على إسرائيل إخلاء كافة المستوطنات في الأراضي الفلسطينيية وإخراج المستوطنين تدريجيا، حيث اعتبر التحقيق أن وجود تلك المستوطنات يؤدي إلى انتهاك حقوق الفلسطينيين بطرق مختلفة، جاءت لتؤكد حقيقة ساطعة، وهي أن كل أوهام إسرائيل بأنها تستطيع تحقيق مكاسب على الأرض، بغير سند شرعي من القانون الدولي مآلها الانهيار.
فلعل صرخة الشعب الفلسطيني في "باب الشمس" و"باب الكرامة" و"الأغوار" ستبقى شوكة في حلق الاحتلال وان استعادة الحقوق المشروعة لأصحابها لن تتأتى إلا عبر الوحدة والمقاومة والانتفاضة وفي ظل مناخ دولي يجعل المجتمع الدولي ومؤسساته تضطلع بمسؤولياتها تجاه الشعب الفلسطيني من اجل اقامة دولته كاملة السيادة بعاصمتها القدس وتنفيذ القرار الاممي 194 القاضي بحق العودة اللاجئين من ابناء شعبنا الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت